icon
التغطية الحية

أحداث التشدد الفرنسية كما يراها أدباء وكتاب سوريون لاجئون

2020.11.01 | 06:13 دمشق

387bdf58-0d32-4b3f-8763-b884584b3895.jpg
مسجد في باريس (إنترنت)
إسطنبول- أحمد طلب الناصر
+A
حجم الخط
-A

موجة جديدة من الاستياء والغضب تضرب بعض أوساط اليمين الأوروبي عموماً ومختلف أطياف المجتمع الفرنسي على وجه الخصوص؛ كشفت عنها الأحداث الأخيرة التي تلت تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول الإسلام، منذ وصْفِه الأول له بأنه "يعاني من أزمة" ثم حادثة مقتل المعلم الفرنسي بعد عرضه رسومات "شارلي إيبدو" على يد طالبه المتشدّد وما تلاها من سقوط قتلى الكنيسة في مدينة "نيس" على يد متشدّد آخر.

على إثر كل ذلك ارتفعت حدة التوتر داخل فرنسا، الدولة التي تضمّ جالية كبيرة من المسلمين على أراضيها، سواء من اللاجئين الذين قدموا من شتى دول العالم العربي والإسلامي أو ممّن حاز  جنسيتها أو من مواطنيها الأصليين.

اقرأ أيضاً: تصريحات ماكرون عن الإسلام تثير ردود أفعال غاضبة

الموقف الفرنسي الرسمي

وعلى ضوء الهجوم الأخير، أمر الرئيس الفرنسي بنشر آلاف الجنود بهدف حماية أماكن العبادة، بعد أن صرّح من مكان حدوث جريمة القتل الأخيرة في نيس: "فرنسا تعرضت لهجوم من إرهابي إسلامي" مستدركاً: "بسبب قيمنا، بسبب رغبتنا في الحرية، وبسبب إمكانية التمتع بحرية العقيدة على ترابنا".

أما وزير خارجيته فأعلن أن فرنسا "في حرب لمواجهة عدو خارجي وداخلي"، واصفاً المواجهة أنها ضد "أيديولوجية الإسلاميين المتشددين" بحسب تعبيره.

الموقف الدولي

توالت المواقف الدولية المُدينة والمنددة بالهجوم واحدًا تلو الآخر، وأبدت غالبية الدول -حتى تلك المختلفة مع فرنسا وسياستها تجاه الإسلام- دعمها لفرنسا في مواجهة "الإرهاب" وأحداث العنف.

موقف الدول الإسلامية

بالمقابل، خرجت مسيرات غاضبة في بعض الدول الإسلامية، مثل باكستان وبنغلاديش والصومال ولبنان وبعض مدن فلسطين، تنديدا بالرئيس ماكرون واحتجاجًا على تصريحاته التي اعتبروها مستفزة للمسلمين، ولإعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي الكريم.

موقف المهجّرين السوريين

الموقف السائد للسوريين اللاجئين سواء في فرنسا أو بقية الدول الأوروبية، على اختلاف توجهاتهم وسوياتهم المعرفية؛ تعبّر عنه منشوراتهم وتغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي التي تُظهر غالبيتها استهجانها وإدانتها للهجوم، وتعاطف أصحابها مع الفرنسيين.

كما حرص الكثيرون منهم على تجنّب الخوض في موقف وتصريحات ماكرون والحكومة الفرنسية بما يتعلّق بمسألة انتقاد الإسلام والإصرار على استمرار نشر الصور المسيئة للنبي.

 الحدث الفرنسي من منظار الكتّاب والأدباء

في حديثه الخاص لموقع تلفزيون سوريا، يحمّل الأستاذ الجامعي والباحث اللغوي في تفاسير النصوص الإسلامية، محمد عناد سليمان، مسؤولية ما حصل "من حيث الأصل" بحسب تعبيره، "على المسلمين في سعيهم الدائم للانعزال؛ وفرض قوانين يظنونها شرعية على المجتمع والدولة".

 

11c6575a-858b-426d-b157-4cfbc5e39500.jpg

 

وعمل سليمان في بداية لجوئه إلى فرنسا خطيباً في أحد مساجدها لنحو سنتين، وهو ما أكسبه خبرةً في فهم طبيعة طيف واسع من المسلمين هناك.

ويشير إلى أنه حذر سابقاً في خطبةٍ من خطبِه المسجلة من "تحويل المساجد إلى بؤر فساد وتحريض وتفريق؛ وهو ما حصل ويحصل؛ الأمر الذي سيؤدي إلى إغلاقها وهو ما نلمسه اليوم".

ويكشف سليمان عن نقطة في غاية الأهمية، وذلك بعد تواصله مع "مجلس الإفتاء الأوروبي" الذي استنكر ما يجري بشدّة "لكنه لا يتجرأ كما لم ولن يتجرأ غيره على بيان الحكم الشرعي من الإساءة، ومدى مخالفتها أو مطابقتها للنص المقدس نفسه وهو القرآن".

 

صورة جديدة (2)_0.jpg

 

 المشكلة الحقيقية، يراها سليمان، تتمثل في "أن التشريع الذي يبني عليه المسلمون فقههم هو تشريع فهمي لا نصي، وهو محل الخلاف القديم والحديث والمستقبل".

ويختم سليمان: "يجب فهم الخطاب من وجهة نظر (الواقع) الفرنسي؛ لا من وجهة نظر المسلمين خارجها. وخير دليل على ذلك الصورة القادمة من إدلب والتي نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية".

 

 

اقرأ أيضاً: تركيا وباكستان تدينان إعادة نشر رسومات مسيئة للرسول

"انتشار التفاهة له أثر"

من جهته، يرى الأستاذ الجامعي والأديب القاص، أحمد جاسم الحسين، أن الأزمة الحاصلة في فرنسا اليوم لها عدة وجوه، فالنظام العالمي، بحسب الحسين "يبحث عن فلسفة جديدة وحوامل جديدة بعيداً عن الحرب الباردة، وبعيداً عن القطب الثانئي ولعبة الإرهاب، إضافة إلى ثورة الانترنت والسوشيال ميديا حيث لا تتورع اليوم دولة تويتر أو دولة فيس بوك من حذف كلام لرؤساء أقوى الدول إن كان لا يتوافق مع أنظمة المواطنة في تلك الدولة وهي أنظمة سريعة التحول والعطب" بحسب وصف الحسين خلال حديثه مع موقع تلفزيون سوريا.

 

3b97a463-7e6d-428b-97c4-974b74ca6c27.jpg

 

وهناك جانب آخر لدى الحسين، يتمثل بحسب رؤيته في "فشل الدول التقليدية في إبقاء سلطتها على ما هي عليه ما يجعلها تبحث عن تفسيرات تقليدية لما يحدث على أراضيها من خلال تنسيب العنف إلى دين أو معتقد أو دولة، وغياب الفلسفة عن العالم وتهميشها كذلك جعل الكثير من الدول تمشي دون بوصلة".               

 و"انتشار التفاهة هو الآخر له أثر، ووجود رئيس نصف مجنون مثل ترامب كذلك" يضيف الحسين

في الوقت ذاته، يدعو الحسين إلى الفصل بين "العقدي والعبادي وفقه الحياة اليومية، وإعلاء القيم الإنسانية والتسامح والتواصل مع الآخر دون الانتقاص منه".

فالعصر الذي كانت تُفرض فيه الأيديوجيات بالإكراه قد انتهى بالنسبة للحسين الذي يرى بأن العصر الحالي هو "عصر القوة الناعمة والتأثير في الجماهير عبر الإقناع والدليل والجميل".

ومن خلال إشرافه على منظمة "البيت السوري" في هولندا التي يقيم فيها، فالحسين على تماس مباشر بمختلف أطياف اللاجئين والمهجرين السوريين، خصوصاً أن المنظمة لها مشاركات واسعة في مختلف الأنشطة الثقافية والإنسانية والمجتمعية. وكان قد عرض منشوراً على حسابه في (فيس بوك) يقارن فيه بين الخطابين الهولندي والفرنسي موضحاً مدى التفاوت بينهما.

 

 

يحمّل الحسين المسؤولية للجميع "عن هذا التوحش وعن ترسيخ ثقافة الإلغاء، والانشغال بالبحث عن مصالح الذات-الدولة-الشركة فحسب".

وعليه، فإن الخطوات المطلوبة من الأطراف الدينية الفاعلة تكمن في "تمكين خطاب التسامح والبحث عن المشترك مع الآخر".

ويختم: "ولكي نسحب السلبي من هذا الجمهور الديني ويقتنع هذا الجمهور بالخطاب المنتظر من طبقة المشايخ أو السلطات الدينية، وكي يستطيع النظر إلى المستقبل لا بد أن يرى خطوات إيجابية من السياسي الفاعل عالمياً نحو إحقاق الحق وتمكين العدالة والتنمية والديمقراطية والتوقف عن النظر إلى الدول والقيم الإنسانية والكثير من شعوب الشرق نظرة ربح وخسارة".

موقف فرنسي جديد.. هل يغيّر الحال؟

بعد كل ما حدث، تابع الناس تصريحات ماكرون الأخيرة التي أدلى بها أمس السبت لقناة الجزيرة، ولمس كثير من المراقبين تراجعاً واضحاً في موقف ماكرون السابق، في ظل تصاعد الاحتجاجات ضد تصريحاته، والاعتداءات التي تعرّض لها فرنسيون من قبل متشددين ومتطرفين.

اقرأ أيضاً: موقف جديد لماكرون من الرسوم المسيئة للإسلام قد يؤثر في منتقديه

ومما قاله ماكرون في حديثه الخاص للجزيرة إنه يتفهم مشاعر المسلمين إزاء الرسوم المسيئة للنبي، مشدداً على أن حكومته لا تقف خلف هذه الرسوم.

ولكن، هل سينهي تصريحه حالة "الإسلام فوبيا" المنتشرة داخل بعض أوساط الغرب، وحالة الاستفزاز ونظرية "المؤامرة على الإسلام" داخل بعض الأوساط الإسلامية؟