مع افتتاح المدارس التركية بعد عام من الانقطاع نتيجة جائحة كورونا، وتسلم الطلاب لكتبهم الجديدة، وجد الأهالي نصوصاً جديداً في مناهج المرحلة الابتدائية التركية تتحدث عن شخصيات لأطفال سوريين في تركيا، وهو أمر أثار جدلاً جديداً حول الوجود السوري أو الأجنبي والذي وصل في المرحلة الأخيرة لعتبة جديدة من التوتر والعنصرية ضمن الساحة السياسية والمجتمعية التركية، وتباينت الآراء بين مؤيد لهذه الخطوة الجديدة وآخر اعتبره تهديداً للهوية التركية.
وأظهرت منشورات وتغريدات تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي نصوصاً جاءت في كتب منهاج وزارة التعليم التركية الرسمي للصفين الأول والثالث من المرحلة الابتدائية، أبطالها "ولاء"، "عفان" و"بلال"، شخصيات خيالية لأطفال سوريين قدموا لتركيا بسبب "الحرب" التي عصفت ببلادهم.
تقول ولاء الطفلة السورية السمراء كما تظهرها الرسومات المرافقة للنص، مخاطبةً أقرانها الأتراك: "السلام عليكم أنا ولاء أتيت هذا العام مع عائلتي من سوريا، أتعلم التركية حديثا، سعيدة جداً لوجودي معكم". وجاء ذلك في كتاب "علم الحياة" للصف الأول.
أما الشقيقان السوريان "عفان" و"بلال"، فكانا موضوعاً لنص جاء في كتاب "علم الحياة" للصف الثالث، تحت عنوان "أحب أصدقائي السوريين".
ويتحدث النص عن الصعوبات التي واجهت عائلة الطفلين السوريين حين مجيئهم للبلاد من إيجاد عمل ومكان للمبيت، ثم عن الصعوبات التي واجهت الطفلين في الأشهر الأولى من المدرسة لعدم معرفتهم اللغة التركية. لكن تتجاوز العائلة والأطفال السوريون هذه الصعوبات بمساعدة أصدقائهم ومعلميهم الأتراك، الذين عاملوهم بمودة وساعدوهم على تجاوز عائق اللغة، ونسقوا مع البلدية لتلبية احتياجاتهم، بل وحتى تعلموا منهم بعض الجمل العربية.
وتأتي هذه النصوص التي تشجع الأطفال الأتراك على قبول ودعم وتفهم أقرانهم من الأطفال السوريين في المدارس التركية، ضمن مساعي الدولة التركية لرفع مستوى اندماج المجتمع السوري مع المجتمع المضيف. إذ سبق أن صرح معاون مدير "المديرية العامة للهجرة" التركية، الدكتور "جوكشه أوكّ" لموقع تلفزيون سوريا أن برامج رفع الاندماج التي تعمل عليها الدولة التركية تشمل كل الوزارات والمديريات المعنية ومنها وزارة التعليم التركية.
معلم تركي: لا نفرق بينهم وبين أطفالنا
طلبا للتعقيب على الصور المتداولة، حاور موقع "halktv” التركي معلمين أتراك لم يذكر اسمهم. وجاء على لسان أحدهم: "عندنا هكذا أطفال، استوعبنا الموضوع لسنين، كمعلمين لا نرى أي فرق بينهم وبين الأطفال الآخرين" ويقصد الأطفال السوريين ممن يدرسون في المدارس التركية، إذ تجاوز عددهم الـ 800 ألف بحسب آخر إحصائية صادرة عن وزير التعليم في تركيا.
ويضيف معلم التعليم الأساسي في حواره مع الموقع التركي، معقبا على نص الطفلة السورية ولاء: "يساعد على الانسجام بين الطلاب، ليقبلوا بعضهم كما هم ويتعلموا العيش بسلام"، مؤكداً على حق اللاجئين في التعليم وقال: "اللاجئ المتعلم أفضل من اللاجئ غير المتعلم".
"بروباغاندا" وتهديد للهوية بحسب وصف المعارضين
اعتبرت أقلام المعارضة التركية المحسوبة على التيار القومي العلماني النصوص التي تذكر الأطفال السوريين "بروباغندا" تستهدف الأطفال الأتراك ليقبلوا "التغيير الديمغرافي" الذي يحصل في البلاد على حساب المبادئ القومية العلمانية التي أسست عليها الجمهورية التركية- بحسب وصفهم.
منهم "إيلاي أكسوي" العضوة المؤسسة لحزب الخير – İyi Parti والمشهورة بحماسها الشديد في معاداة الوجود السوري في تركيا، التي وصفت النصوص عبر حسابها التويتر -بالإضافة للـ"بروباغندا"- بمحاولات "تمييع الأتراك والثقافة التركية".
MEB okulun birinci gününden çocuklarımıza propaganda yapmaya başladı!
— İlay Aksoy (@ilay_aksoy) September 7, 2021
MEB’in deyimiyle “uyum” bizim deyimimizle “dayatma/Türkleri ve Türk kültürünü asimile” etme propogandası ile devam ediyor!
Suriyeli çocuklar Türkiye’de değil Suriye’de öz kimlikleriyle,kültürüyle yetişmeli. pic.twitter.com/iDGJ050EiZ
ولم تختلف ردة فعل "حسين شاهين"، العضو المؤسس في حزب ظفر – Zafer Partisi الذي اعتبر عبر حسابه التويتر الصور دليلا على "خطورة المشروع" الذي يعملون على مواجهته. ويذكر أن الحزب الذي ينتمي إليه "شاهين" ذا الطابع القومي العلماني انطلق حديثا، مبنيا على معاداة اللاجئين والأجانب بشكل رئيسي.
MEB tarafından ilkokul 1. Sınıf Hayat Bilgisi ders kitaplarında yapılan Suriyeli sığınmacı propagandası ile çocuklarımız Suyelilere entegre edilmeye çalışılıyor. Nasıl bir proje ve tehlikeyle karşı karşıya olduğumuz her geçen gün bir kez daha ortaya çıkıyor.#SuriyelilerSuriyeye pic.twitter.com/92rXaPIbF2
— Hüseyin Şahin (@hsynshn41) September 7, 2021
وكذلك الحال بالنسبة لـ "فاتح أرجين" مدير الأخبار في صحيفة Yeniçağ التركية والتي تنتمي للتيار الأيديولوجي نفسه، إذ لم يضف على الأوصاف السابقة للنصوص سوى اعتباره إياها "فضيحة". وذلك في مقال له في الصحيفة نفسها، تحت عنوان: "من أزال قسم الطالب أوصل البروباغندا السورية حتى الابتدائية"، قارن فيه بين إزالة "قسم الطالب" -القسم المعني بالالتزام بالمبادئ القومية العلمانية الأتاتوركية (نسبة لأتاتورك) التي اعتاد طلاب المدارس التركية إلقاءه كل يوم قبل التوجه للصفوف، وبين تضمين شخصيات لأطفال سوريين في المناهج.
مقارنة تلعب على وتر حساس بالنسبة للطبقة القومية العلمانية الأتاتوركية والتي تعتبر نفسها أكبر المتضررين من سياسات الحكومة الحالية على مدار الـ 20 سنة الفائتة.
إشادات بوزارة التعليم
في الطرف المقابل، عبر العديد من الأتراك من مختلف التيارات عن إعجابهم وتقديرهم للنصوص التي تتناول الأطفال السوريين، مهنئين وزارة التعليم على خيارها الموفق لما تحمله النصوص من رسائل محبة وإنسانية.
في رد لها عبر تويتر على "إيلاي أكسوي"، تساءلت الكاتبة والمحللة السياسية التركية "ألين أوزينان" بتهكم عن التهديد التي تشكله "الصغيرة ولاء"، كما وجهت التهاني لوزارة التعليم لسلوكها الذي يعترف بالـ "الآخر".
Minik Valaa, Selamun aleykum dedi ve Türkler asimile oldu. Valaa propagandaya aracılık etti.
— Alin Ozinian (@AlinOzinian) September 7, 2021
MEB'den alışık olmadığımız insani, "ötekinin" varlığını kabul eden bir tavır. Bravo MEB. https://t.co/No92RwLvq5
أما البروفيسور التركي في العلوم السياسية "ساواش جنش"، والذي يحمل توجهاً علمانياً ليبرالياً معارضاً، فهنأ وزارة التعليم التركية على هذه النصوص، ودعاها لتضمين كل الأقليات في المناهج الرسمية التركية، وذكر بالأطفال الأكراد من الناطقين باللغة الكردية.
Uzun ama çok uzun aradan sonra MEB'nı kutluyorum. Yabancı ya da azınlıklara kitaplarda yer vermeli. Süryani, Ermeni ve Rum çocuklar da metinler de geçmeli. Kürtçe konuşan Kürt çocuklarımız da... Ön yargılar bir şekilde kırılmalı. https://t.co/NOXFbcDZr1
— Savaş Genç (@savasgnc) September 7, 2021
وعقب المحامي التركي والعضو المؤسس في حزب DEVA المعارض على النصوص قائلا: "العنصرية لا تأتي منذ الولادة، بل تكتسب لاحقا. لذا تعليم كهذا سيمنع من نشوء أجيال عنصرية في المستقبل"، معتبراً تصرف وزارة التعليم صحيحاً ويستحق التهنئة، وذلك عبر حسابه على تويتر.
Irkçılık doğuştan gelmez, sonradan kazanılır. Dolayısıyla çocuklara şimdiden böyle bir eğitim vererek, ilerde ırkçı nesillerin yetişmesinin önüne geçilebilir. Çok doğru bir hareket olmuş, tebrik ederim. https://t.co/vJw5WjItR2
— Tunahan Elmas (@avtunahanelmas) September 7, 2021
قد يستهجن المتابع الخارجي الجدل الذي يمكن أن تثيره نصوص تتناول وجود الأطفال السوريين في المدارس التركية، رغم وجودهم بمئات الآلاف فعلا على مدار السنين الماضية. لكن تبقى ردود الأفعال ضمن المتوقع في دولة أسست على المبادئ القومية ولها تجاربها مع استقبال اللاجئين والنازحين.