icon
التغطية الحية

أبو غنوم وعلي عبيد.. شرارتان لثورتين ضد الفساد وداعش في الشمال السوري

2022.10.11 | 14:28 دمشق

محمد أبو غنوم و علي عبيد
محمد أبو غنوم و علي عبيد
إسطنبول - ملهم عكيدي
+A
حجم الخط
-A

تتسارع الأحداث في ريف حلب الشرقي بعد جريمة اغتيال الناشط محمد عبداللطيف أبو غنوم في مدينة الباب، فالفيلق الثالث اعتقل خلية الاغتيال والتي بدورها اعترفت بتلقي أوامرها من قيادي في فرقة الحمزة، وسط أنباء عن وجود أدلة على صدور أمر الاغتيال من قائد الفرقة سيف بولاد، ليشن الفيلق الثالث هجوما على مقار الفرقة في مدينة الباب ويسيطر عليها، ويلبي مطالب الشارع الثوري بإخراج فرقة الحمزة من المدينة ومحاسبة المجرمين. هذه التطورات وتسارعها وطريقة اشتعالها تتطابق تماماً مع ما حصل في مدينة الأتارب مطلع العام 2014، عندما أشعل مقتل علي عبيد الحرب على تنظيم داعش.

في هذه المقالة محاولة إنعاش لذاكرة أصحاب الأمر في الجيش الوطني عن كيفية بدء الثورة على داعش ككرة ثلج انطلقت من الأتارب وشملت جميع المناطق، وتحذير من مصير لن يختلف كثيرًا عن مصير من ادعى أنه جاء لنصرتنا.

مقتل علي عبيد.. شرارة الثورة على داعش

بدأت ثورة السوريين على تنظيم الدولة في ريف حلب صباح يوم الجمعة 3 كانون الثاني 2014، وامتدت سريعا إلى إدلب وحماة واللاذقية والرقة ودير الزور، وذلك بعد ارتكاب التنظيم عشرات الجرائم والانتهاكات بحق مدنيين وعسكريين وإعلاميين وشرعيين، ومن أبرز الجرائم في تلك الفترة تصفية القيادي في حركة أحرار الشام الطبيب حسين سليمان أبو ريان والذي أُطلق اسمه على أول جمعة من العام الجديد "جمعة أبو ريان ضحية الغدر"، إضافة لعشرات حالات الخطف والتصفية التي طالت ناشطين إعلاميين وقادة عسكريين.

قبل بدء المواجهات بساعات أعلنت مجموعة من أبرز فصائل الجيش الحر في حلب اندماجها تحت مسمى "جيش المجاهدين"، الفصيل الذي ارتبط اسمه بشكل مباشر ببدء الحرب على التنظيم، ولكن بخلاف ما يعتقده كثيرون فإن المعركة ضد تنظيم الدولة لم يبدأها "جيش المجاهدين" بل إن إعلان "جيش المجاهدين" الحرب على التنظيم كان ردة فعل على اعتقال مجموعة من عناصره بقيادة يوسف زوعة ومحمود عبد الرحيم "أبو زيدان" فجر الجمعة قرب بلدة أورم الكبرى خلال محاولتهم منع رتل عسكري لتنظيم الدولة التوجه إلى بلدة الأتارب التي كانت تشهد توترًا سوف يتحول إلى ثورة تغير خلال أيام قليلة الكثير من خرائط السيطرة والتحالفات في سوريا.  

ءؤر
بيان من جيش المجاهدين يخص قتال تنظيم الدولة

ارتكب تنظيم داعش في بلدة الأتارب كغيرها من البلدات السورية كثيرا من الانتهاكات والجرائم، منها اختطاف سمر صالح ومحمد العمر، ثم اختيار داعش بلدة الأتارب لتنفيذ حكم الاعدام بحق قائد "جبهة غرباء الشام" في حلب حسن جزرة والذي اعتبره الأهالي حينها محاولة تخويف وفرض قوة من التنظيم، تبعه اختطاف قائد "لواء صقر قريش" عمار بطايحي ابن بلدة الإبزمو، واختطاف نظام بركات قائد "لواء شهداء الأتارب" قرب أورم الكبرى، ولكن الشرارة التي فجرت الثورة ضد التنظيم كانت العثور على جثة الشاب علي عبيد ابن شقيق المقدم المنشق عبيد عبيد، بعد يوم من اختفائه على طريق أطمة الدانا في ريف إدلب.

سيبل

لم يكن علي عبيد قائد كتيبة أو قائد لواء ولكن مقتله وما سبقه من حوادث وانتهاكات فجر حالة الغضب المتراكم لدى أهالي البلدة ومقاتليها الذين توجهوا إلى مقر داعش في البلدة مطالبين بالقصاص من القتلة وإخراج داعش من البلدة، حينها بدأ التنظيم بتجهيز رتل عسكري ضخم بهدف اقتحام الأتارب وضرب كل من شارك بكسر هيبته التي بناها على مدار أشهر بالحديد والنار، فهذا التنظيم لم يعتد على سماع صوت شكوى أو اعتراض من ضحاياه، خاصة بعد سكوت حركة أحرار الشام الإسلامية "أكبر فصائل الساحة" و"بيضة قبانها" عن مقتل عناصرها وقادتها.

تشكيل جيش المجاهدين

بالتزامن مع التوتر الذي شهدته منطقة الأتارب كانت تجري مباحثات توحد واندماج بين فصائل تجمع فاستقم كما أمرت وكتائب نور الدين زنكي والفرقة 19 بهدف مواجهة خطر النظام الذي سيطر بدعم من ميليشيا حزب الله على طريق الإمداد البري حلب - خناصر الاستراتيجي بعد أربعة أشهر من المعارك التي خاضتها هذه الفصائل إضافة لأحرار الشام ولواء التوحيد (معركة رص الصفوف ومعركة العاديات ضبحا)، كما أن توحّد هذه الفصائل يعني بناء كتلة قوية متماسكة تمثل الجيش الحر في حلب بعد طغيان داعش وجبهة والنصرة والجبهة الإسلامية على المشهد العسكري في الشمال السوري.

بعد انتهاء اجتماعات اليوم الثالث مع كثير من الأمور العالقة والتفاصيل غير المحسومة، وصلت للمجتمعين رسالة من ضباط الإشارة في الفرقة 19 تتضمن تفاصيل هجوم يحضر له تنظيم الدولة لاقتحام بلدة الأتارب والفوج 46 بعد اختراق شبكة الاتصال اللاسلكي الخاصة بالتنظيم، وتم الاتفاق بإجماع الحاضرين على ضرورة منع هذا الهجوم من خلال قطع الطرقات وعدم السماح لتعزيزات التنظيم الوصول إلى الأتارب، كما تم الاتفاق على إعلان التشكيل الجديد باسم "جيش المجاهدين"، وترحيل التفاصيل الخلافية إلى مجلس قيادة تم الاتفاق على أسمائه، آملين أن يكون إظهار القوة في وجه التنظيم كافيا بحيث لا يُضطر لاستخدامها. وفعلا تم تصوير بيان التأسيس باستخدام كاميرا جوال أحد الحاضرين ونُشر بعد منتصف يوم الخميس.

إعلان الحرب

بعد إصدار بيان تأسيس جيش المجاهدين بساعات حصلت أولى المواجهات بين رتل من تنظيم داعش وحاجز لواء الأنصار التابع للفرقة 19 في بلدة أورم الكبرى، حيث حاول عناصر الحاجز قطع الطريق على الرتل ومنعه من الوصول إلى وجهته ولكن التنظيم استطاع -بالخداع والحيلة- الالتفاف على العناصر وأسر أكثر من 50 بينهم يوسف زوعة ومحمود عبدالرحيم "أبو زيدان"، ثم بدأ التنظيم قصفا تمهيديا على الأتارب بالمدفعية تسبب بسقوط قتلى وجرحى، عندها صدر القرار من قيادة الجيش باعتقال واستهداف عناصر داعش أينما وجدوا وانتهى اليوم الأول باعتقال أكثر من 150 عنصرا من داعش نصفهم في مدينة حلب، ومقتل عناصر من التنظيم في مدينة حلب وبلدة قبتان الجبل، وفي اليوم ذاته سيطر ثوار الأتارب على مقر داعش واعتقلوا أميرها في البلدة أبو صابر التونسي و20 آخرين.

رغم أن جيش المجاهدين لم يكن صاحب الطلقة الأولى إلا أن مشاركته ساهمت في تحويل أحداث الأتارب من مواجهة محلية  -ربما كانت لتنتهي بسيطرة التنظيم على الأتارب وتهجير ثوارها كما حصل في إعزاز مع لواء عاصفة الشمال- إلى صراع ممتد على مناطق جغرافية واسعة، والانتصارات التي حققها في اليوم الأول دفعت فصائل الجيش الحر في جبل الزاوية ومنبج وعندان ومناطق أخرى إلى بدء حملة على مقرات ومواقع التنظيم. كما أن تعنّت التنظيم وإصراره على وصف خصومه بـ"الصحوات والعملاء" إضافة لارتكابه جرائم كانت معظمها بحق معتقلين أو عناصر فصائل أعلنت الحياد وحاولت تجنب المعركة، ساهم في تطور الأحداث بشكل متسارع إلى حرب مفتوحة دفع خلالها المترددون وأدعياء الورع الكاذب الفاتورة الأكبر من دماء وسلاح ومناطق نفوذ.

الثورة على داعش بدأت بمقتل شاب ربما لم يسمع باسمه أحد خارج منطقة الأتارب، ثم امتدت إلى جميع المناطق من جبل الأكراد إلى دير الزور، ليس بسبب مقتل علي عبيد فقط، بل لأن تنظيم الدولة حاول سرقة  أحلام السوريين وآمالهم التي دفعوا في سبيلها دماء أحبتهم. واليوم وبعد تسع سنوات وكثير من الدماء وقليل من الأحلام، يُقتل شاب في مدينة الباب يدعى أبو غنوم لا يعرفه كثير من السوريون، لكنهم جميعًا يعرفون أن قتلته أيضا يحاولون سرقة تضحياتهم وآمالهم، وعلى قادة الجيش الوطني أن يعلموا أن محاولة الالتفاف على ما حدث وإلصاق تهم العمالة لقسد والنظام على خصومهم لن يغير في مسار التاريخ شيئا، فإمّا إصلاح شامل يعالج جذور المشكلة لا أعراضها، أو انتظار ثورة جديدة لن تتوقف في مدينة الباب ولن تقتصر على "فرقة الحمزة".