icon
التغطية الحية

أبو النصر...طبيب قاوم اجتياح النظام لـ حلب

2018.12.22 | 15:12 دمشق

طبيب الأسنان سالم أبو النصر في حلب الشرقية(إنترنت)
تلفزيون سوريا - سامر قطريب
+A
حجم الخط
-A

لم ينته حصار أحياء حلب الشرقية، فالمأساة مازالت حيّة في قصص وحكايات المهجرين والمنفيين، وفي قدود الثورة ومظاهراتها السلمية الأولى، وعلى جدران المدينة المدمرة التي أصبحت عنوانا لتاريخها الحديث.

"انتبه لاتخرب هنا يوجد أشياء سيستفيد منها أطفالك" جملة كتبت على لافتة في أحد أحياء حلب الشرقية، أثارت غضب نظام الأسد الذي لم يكن يوما قادرا على مواجهة الخطاب السلمي للثورة.

هكذا حاول الطبيب السوري سالم أبو النصر خلق أزمة للنظام من خلال معرفته بنقاط ضعفه وكشف طريق ثانٍ لتفكيكه وإسقاطه، طريق قد يكون اليوم خيارا  أخيرا للسوريين بعد إيقاف الأعمال العسكرية.

طبيب الأسنان صاحب اللافتة الشهيرة، أصبح جزءا من حكايات المدينة وصورة للمقاومة السلمية في حلب الشرقية، يعبر أبو النصر بمواقفه عن حبٍ مصدره الناس من قلب الحصار. 

يسشتهد أبو النصر بتجارب عن المقاومة السلمية السابقة في عدد من دول العالم مثل التجرية الغاندية في الهند، والتجربة اللوثرية في الولايات المتحدة الأميركية.

مع انطلاقة الثورة السورية شارك "أبو النصر" في مظاهرات مدينته طرطوس في نيسان 2011، هتف المتظاهرون حينها للحرية ولدرعا، وتعرض إثرها للملاحقة الأمنية.

يقول أبو النصر لموقع تلفزيون سوريا "تم اعتقالي 3 مرات..كانت المرة الأخيرة طويلة ونقلت إلى دمشق عام 2012 وبعد إطلاق سراحي غادرت إلى مصر ومن ثم إلى لبنان".

 

 

العودة إلى حلب

أحياء حلب الشرقية التي أصبحت تحت سيطرة المعارضة السورية، مثلها مثل باقي المناطق التي سميت"بالمحررة" كانت هدفا لكثير من المعارضين، لكن حلب كانت مركزا ثوريا مميزا بالنسبة لكثيرين.

في ربيع 2013 عاد أبو النصر إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام للإقامة والعمل، كان مهما له العيش في مكان لا تصل له يد ديكتاتور دمشق، ويتيح له التعبير عن مبادئ الثورة السورية والعمل على تحقيق التغيير الذي يسعى إليه السوريون.

يقول أبو النصر" منذ ذلك الحين وحتى كانون الأول من العام 2016 عملت وتنقلت في مناطق مختلفة خارجة عن سيطرة النظام شمالي غربي سوريا، مثل ريف حلب الشمالي وأحياء حلب الشرقية وريف إدلب والمدينة، وريف اللاذقية وجبل الأكراد وجبل التركمان وريف حماة...عشت هناك وعملت  في الأحياء الشرقية لحلب مثل قاضي عسكر وبستان القصر".

ويتابع "قرار العودة إلى سوريا جاء من قناعاتي بأن خروجي الأول من سوريا مؤقت بسبب الملاحقة الأمنية لذلك عندما أتيحت لي الفرصة عدت إلى مناطق المعارضة.. .جميع المدن السورية كانت تعني لي" .

دخل أبو النصر من تركيا إلى أحياء حلب الشرقية وبدأ العمل في عيادته، منذ آذار 2013 وحتى تشرين الثاني من العام نفسه كانت الحياة مقبولة من الناحية الأمنية والخدمية، وبدأ الناس بالعودة بعد مغادرتهم عقب دخول الفصائل العسكرية صيف 2012، وأعاد أهالي المدينة فتح المحال والمعامل.

 

مسرح في أخطر مدن العالم

"معظم بيوت وأحياء حلب الشرقية كانت شعبية ومظاهر البؤس والفقر ظاهرة عليها.. أنا كنت ملتزما بمبادئي وبالثورة ..كان لي نشاطات غير طبية.. كالمشاركة في فرقة مسرحية قدمت عروضا فنية واجتماعية في الأحياء الشرقية" يقول أبو النصر.

كانت الحياة قد بدأت تعود إلى طبيعتها، ولم تكن المدينة قد صنفت بعد كأخطر مدن العالم، وشكل المسرح حينها مساحة للحرية، إلا أن حملات القصف التي شنها النظام ولاحقا حليفه الروسي حولت المدينة إلى جحيم على الأرض.

ويشير أبو النصر إلى أن "الحياة بعد بدء حملة البراميل المتفجرة كانت صعبة وقاسية، آخر العام 2013 هجّر القصف كثيرا من المدنيين وهربت عائلات من القصف عشوائي والإجرامي". رغم ذلك بقي الطبيب في المدينة وتابع عمله في عيادته بحي السكري.

حمل طبيب الأسنان على عاتقه المقاومة السلمية لمواجهة عنف النظام وخطابه الذي جرّد أهالي حلب الشرقية من إنسانيتهم، وكان حديثه عن الديمقراطية والليبرالية السياسية والاجتماعية من قلب حلب المحاصرة رسالة للرأي العام الغربي الذي لم يعد يرى في حلب وسوريا سوى صراعا عسكريا.

في تشرين الأول من العام  2016 اشتدت الحملة العسكرية على حلب، وقصف نظام الأسد الأحياء الشرقية بالبراميل المحملة بغاز الكلور، كما استخدمت روسيا الصواريخ الارتجاجية والسكود والقنابل الحارقة ما أدى لسقوط مئات الضحايا بين المدنيين.

ويؤكد أبو النصر على أن القصف الوحشي كان أخطر من الحصار وانتشار الجوع بين الأهالي، "كنت أؤكد  على شيء أهم من موضوع الحصار وهو غياب الأمان واستمرار القصف...المؤلم كان في حلب هو القصف أكثر من الحصار والتهجير..القصف هجر الناس من بيوتها".

حيث كان الأهالي يجتمعون حول "النار" ليخبزوا ويعدوا شيئا يأكلونه، الجوع و الخوف من الموت والقصف جمع بين الناس أيضا، في الحصار الثاني الذي شهدته حلب الشرقية والذي أفضى إلى سيطرة النظام على المدينة وتوقيع اتفاق تسليم وتهجير. 

 

 

الرسالة الأخيرة

في بستان القصر آخر الأحياء التي دخلتها قوات النظام والميليشيات الموالية لها، خرج المدنيون في الصباح الباكر نحو حي صلاح الدين، وتجموا في حي الأنصاري الذي كان تحت سيطرة الفصائل العسكرية.

خلال ذلك انتشرت أخبار تقول إن قوات النظام و"الشبيحة" تخرب محتويات المراكز التعليمية وغيرها في أحياء حلب الشرقية. وصلت الأنباء إلى أبو النصر فكتب على لوح في مركز للإيواء وتعليم الأطفال "انتبه لاتخرب هنا يوجد أشياء سيستفيد منها أطفالك".

كانت تلك رسالة الطبيب سالم أبو النصر الأخيرة، السلام يواجه سلاح النظام وعنفه حتى في آخر لحظات المدينة وأكثرها مأساوية.