icon
التغطية الحية

آلاف الوظائف الشاغرة.. نزيف اليد العاملة يؤثر على المصانع التركية

2022.09.28 | 07:57 دمشق

العمالة السورية في تركيا
العمالة السورية في تركيا (إنترنت)
إسطنبول - دانا المكي
+A
حجم الخط
-A

يقارع أرباب العمل في تركيا واقعا جديدا طرأ على سوق العمالة، متمثلا بنقص حاد في اليد العاملة تشهده معظم القطاعات الصناعية والتجارية، بدأ يظهر جليا مع تزايد هجرة اليد الفاعلة الأجنبية من تركيا لاسيما السورية منها، والتي انخرطت لأكثر من 8 سنوات في كثير من المجالات على رأسها أعمال النسيج، والجلود، والمطاعم، وغيرها.

وفي سابقة لم تعهدها مواقع الأخبار التركية المهتمة بسوق العمل، باتت هذه المواقع تنشر وبشكل شبه يومي إعلانات بالجملة عن آلاف الوظائف الشاغرة، ومنها موقع كرايار الذي أعلن في مقال له قبل أيام عن 135 ألف فرصة عمل، مشيرا إلى نقص كبير في اليد العاملة شهدتها العديد من القطاعات، لا سيما المنسوجات والمطاعم والأماكن الصناعية وخاصة صناعة الحقائب والأحذية حيث يشهد قطاع صناعة الجلود في منطقة "زيتين بورنو" نقصاً يقدر بـ 1000 عامل، وينقل الموقع استياء أصحاب العمل مع الوضع الراهن خاصة مع عزوف الأتراك عن الدخول في مثل هذه الأعمال.

ويبين الموقع أيضا أنه ومع عودة ما يقارب 1500 لاجئ سوري إلى بلادهم يوميا، وهجرة كثير منهم إلى أوروبا، بات من الصعب إيجاد عامل بالمواصفات الرابحة التي كانت متوافرة سابقا، في ظل امتناع الأتراك عن العمل في مثل هذه المجالات، وما يطلبونه من أجور عالية يقبل السوري بنصفها، كما ويتخوف مديرو هذه الأعمال من أزمة حقيقة ستضرب كثيرا من القطاعات في حال استمر هذا النزيف في اليد العاملة.

شروط عمل قاسية تدفع الشبان إلى الهجرة وتخلف أزمة عمالة

يعتبر كثير من السوريين حق اختيار العمل المناسب رفاهية في بلاد المهجر، في ظل حاجتهم إلى إعالة أسرهم، في حين يقابل ذلك بالاستغلال من قبل أصحاب العمل، الذين يفرضون شروطا توصف بالمجحفة، والتي تبدأ برفع ساعات العمل إلى 12 ساعة، مقابل أجر زهيد، مع تجريد الفاعل الأجنبي من حقوقه القانونية "إذن العمل"، كما يوضح أحمد سكيف، الشاب السوري الذي هاجر إلى أوروبا قبل فترة قصيرة مدفوعا بتلك الأسباب المذكورة آنفاً.

يضيف أحمد في حديث لموقع تلفزيون سوريا، عملت في عدة مجالات في إسطنبول، وسعيت جاهدا لحث مدير العمل على استخراج إذن عمل لي غير أن صاحب العمل أخبرني بأن تكاليفه ستقطع من راتبي الشهري وهو أمر لا يمكنني تحمله مع تدني الأجور وتعاظم المسؤوليات، وهو ما دفعني لأعمل أكثر من 8 سنوات دون حقوق، ولم أكن الوحيد معظم أصدقائي يعملون بتلك الشروط نفسها مدفوعين بحاجتهم إلى العمل.

أما أيمن والذي حاول البحث عن حياة أكثر استقرارا في رحلة محفوفة بالمخاطر باتجاه أوروبا باءت بالفشل، يقول لموقع تلفزيون سوريا صعوبات العمل وزيادة الضغوطات النفسية التي ترافقت مع صعود خطاب العنصرية، دفعتني لخوض غمار هذه التجربة التي لم يكتب لها النجاح، العامل السوري في المصانع التركية يتجرد من معظم حقوقه كحرمانه من العطلة السنوية وميزات إذن العمل مشيرا إلى أنه عند وصوله إلى تركيا كان قد عمل في أحد الأفران ما يقارب السنة والنصف لم يحصل يوما فيها على إجازة، فضلا عن أن الراتب الشهري لا يغطي حجم المصاريف.

لاحظ غيث وهو شاب يعمل في ورشة خياطة في مدينة إسطنبول منذ سنوات فرقا واضحا في معاملة صاحب العمل للموظفين السوريين في ظل نقص اليد العاملة، وتقلص عدد العاملين في الورشة إلى النصف، فبات يلبي معظم متطلباتهم ويتمسك بهم بكلتا يديه خشية أن يتركوا العمل، بل ويعدهم باستخراج إذن عمل، على عكس السنوات الأولى والتي كانت تمتاز بوفرة اليد العاملة، ويتخوف العامل فيها من خسارة وظيفته فيضطر إلى تحمل جميع المتاعب.

لماذا يفضل أصحاب العمل توظيف السوريين؟

يوضح سليم وهو تركي صاحب محل ألبسة أطفال في إسطنبول لموقع تلفزيون سوريا أن أرباب العمل يفضلون العمالة السوريّة لأنها أرخص بكثير من اليد العاملة التركية، مع إمكانية التهرب من استخراج إذن عمل وتحمل مزيد من الضرائب الباهظة.

وبحسب قانون العمل التركي، يمنح الأجانب حق العمل في تركيا، بموجب الحصول على إذن عمل من وزارة العمل والضمان الاجتماعي والذي يتملص من استخراجه أصحاب العمل للعامل السوري هاربين من كلفة شهرية وقانون يجبرهم على توظيف خمسة عمال أتراك مقابل العامل الأجنبي.

ووفق قانون العمل الخاص بالأجانب، على كل موظف أو عامل الحصول على إذن العمل ليصبح وضعه قانونيا في البلد، ولكي يدخل تحت غطاء القانون الضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي وتأمين الأمومة والتأمين ضد حوادث العمل والتعويضات ولكي يتجنب أي أجنبي التعرض للعقوبة والمخالفة كما يمكّن العامل من حصوله على كامل حقوقه في حال خلافه مع صاحب العمل، والذي يتجرد العامل السوري من كل تلك الحقوق ويبقى تحت وطأة الترحيل في ظل غياب إذن العمل.

ويكمل سليم أن كثيرا من السوريين يتمتعون بمعاملة جيدة مع الزبائن كما أنهم متقنون لأكثر من لغة تساعدهم على التواصل مع الزبائن بشكل أفضل مما يزيد من حركة البيع والشراء في السوق، كما يظن أن السوريين ناجحون جداً في صناعة النسيج ولهم مساهمة كبيرة في تحسين الاقتصاد وأن غيابهم قد يسبب مشكلات حقيقية في سوق العمل.

الشركات السورية.. بصمة واضحة في الاقتصاد التركي

وفق العديد من الدراسات فقد أسهمت العمالة السورية بشكل واضح في نمو الاقتصاد التركي منذ بداية اللجوء إلى تركيا، إذ بلغ عدد السوريين العاملين في السوق التركية نحو مليون سوري منذ عام 2017 بحسب دراسة نشرتها منظمة العمل الدولية في آذار 2020.

في حين بلغ عدد الشركات السورية المنشأة في تركيا 20 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، حتى كانون الثاني الماضي، أسهمت المؤسسات المملوكة لسوريين بتشغيل 500 ألف عامل من ضمنهم أتراك بحلول آذار 2021 وفقا لتقرير نشرته صحيفة "تقويم" التركية.

كما تجاوزت استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا عشرة مليارات دولار، وبلغ إسهامهم في الصادرات ثلاث مليارات دولار أميركي إلى أكثر من 50 دولة، بحسب الصحيفة.

ويزيد على ذلك مصدر خاص من داخل غرفة التجارة والصناعة التركية لتلفزيون سوريا أنه وفي ولاية غازي عنتاب وحدها بلغ عدد الشركات السورية نحو 3200 شركة بنسبة 10 بالمئة من أصحاب الشركات في المدينة.

ماذا لو رحل السوريون.. سؤال على لسان أرباب العمل الأتراك

تتصاعد المطالب الداعية إلى ترحيل السوريين من تركيا، ماذا لو شاهدنا الصورة من زاوية أخرى، يقول مصطفى أوزدمير صاحب محل حقائب تركي في إسطنبول وخريج قسم الحقوق لموقع تلفزيون سوريا إن عدد السوريين في تركيا نحو أربعة ملايين متوزعين في عدة ولايات مختلفة وأكثر من نصفهم يعيش في الإيجارات وفي حال عودتهم سيتركون حتما أثرا كبيرا، على أقل تقدير سيكون هناك أكثر من مليون شقة سكنية فارغة الأمر الذي سينعكس بشكل مباشر على المواطن التركي الذي يعتمد على إيجار المنازل ليسد حاجاته.

ويردف أن آلاف المستثمرين الحاصلين على الجنسية التركية من خلال إيداعات بنكية، بدؤوا اليوم يفكرون بوجهة جديدة لاستثماراتهم، وهو ما يحدث فعلا في الفترة الأخيرة..

ترحيل السوريين والعودة الطوعية، وإن ظهر إيجابيا لكثير من الأتراك، لكنه على العكس لو نظرنا بشكل واقعي سيكون له تأثير اقتصادي سلبي يضيف نقطة سلبية لليرة التركية المتدهور سعر صرفها أمام الدولار.

أوروبا القشة الأخيرة للسوريين

مع تعالي هتافات العنصرية والتضييق المستمر على اللاجئين السوريين في تركيا إضافة إلى الترحيل التعسفي وانحدار الأوضاع المعيشية المستمر أصبحت محاولات الوصول إلى حالة الاستقرار حلماً لكثير من السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا بحثاً عن الأمان ليروا في أوروبا القشة الأخيرة على الرغم من جميع المخاطر التي قد تواجههم في أثناء رحلتهم إلى هناك.

خلال أربعة أشهر فقط، انخفض فيها عدد السوريين الحاملين لبطاقة "الحماية المؤقتة" إلى ما يقرب من 105 آلاف شخصا، وفق إحصائيات، تدعمها صحيفة "بيلد" الألمانية التي قالت إن عدد عمليات دخول طالبي اللجوء وصل إلى رقم قياسي، إذ حددت في حزيران الماضي نحو ألفي دخول غير مصرح به، بزيادة قدرها 140% مقارنة بالعام السابق..

كما رصد موقع تلفزيون سوريا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولاسيما  تيك توك كثيرا من الرحلات التي يصورها أصحابها وينقلون تجربتهم عبر الكاميرا إلى العالم الافتراضي، وفي معظمها تكون مشيا على الأقدام عبر الغابات، في حين ينقل البعض ما تعرض له من مخاطر وصعوبات، حيث يتعرض كثير منهم إلى عمليات تعنيف من حرس الحدود كما يتم استغلالهم وسرقة مقتنياتهم.