آلاعيب الدستور تمكن الأسد من الاستمرار في منصبه دون انتخابات

2021.04.04 | 06:53 دمشق

aldstwr.jpg
+A
حجم الخط
-A

ثمة جهد جانب الصواب في أدنى القواعد والمبادئ العامّة الدستوريّة في دستور 2012، إذ تُؤكّد القراءة المتأنيّة والقانونيّة، أنّ يدَ الأسد ذاته كانت حاضرة حين صياغة القواعد الدستورية، وهي بعيدة كل البعد عن أدنى مبادئ القواعد والأعراف الدستورية العربية والأجنبية، الأمر الذي يكشف بما لا يدع مجالاً للشك، مدى التلاعب والاحتيال بصياغة نصوص دستور 2012، بهدف بقاء الرئيس الحالي متى شاء وكيفما شاء.

 فدستور 2012 الذي وضعه النظام على عَجَل، بقصد إسكات الثورة، إلا أنه لم ينجح في ذلك، وسواء حصلت الانتخابات الرئاسيّة في موعدها التقليدي أم لم تحصل فسأحاول أن أُسلّط الضوء؛ مُجتهداً بتفسير بعض المواد الدستوريّة المتعلقة بهذه الانتخابات.

فقد ورد في المادة 85 الفقرة 1 من دستور 2012 ما يلي:

"يَدعو رئيس مجلس الشعب لانتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن ستين يوماً ولا تزيد عن تسعين يوماً".

وكذلك ورد في المادة 186 من النظام الداخلي لمجلس الشعب لعام 2017 (اللائحة الداخلية للمجلس) ما يلي:

"يَدعو رئيس مجلس الشعب في جلسة علنية لفتح باب الترشيح لانتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن ستين يوماً ولا تزيد على تسعين يوماً".

التعليق:

ورد في النّصّين آنفي الذكر؛ عبارة: .. لانتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم... يُلاحظ أنّ المشرّع لم يضع كلمة (مدّة) بين كلمتيّ (انتهاء ... ولاية) قد يبدو بأنّه لا فارق بين أن تكون أو لا تكون، ولكن بالتدقيق، نجد أنّ المشرّع ربما أغفلها قاصداً لكي تنسجم (أي لا تتعارض) مع مواد دستوريّة أخرى سنراها بعد قليل، ومنها مادة دستوريّة تسمح بتمديد مدّة الرئاسة بشكل مفتوح وبلا حدود ودون أسباب. ومادة أُخرى تسمح للرئيس باتخاذ الإجراءات السريعة عندما تتوفر أسباب معيّنة في ظروف معيّنة سنراها أيضاً.

وبالعودة لكلمة (مدّة) فلو قال المشرّع قبل انتهاء مدّة الولاية... أي لو ذكر كلمة (مدة) لأَلزمَ المشرّع نفسه، وألزم الرئيس القائم بسبع سنوات مدة الرئاسة مهما حصل من ظروف تستدعي التمديد، لذلك هو جعلها عامّة، وقال: قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم..، إذ لا أحد يعرف متى تنتهي الولاية وفقاً للمواد الدستوريّة التي سنراها، والتي أطلقتْ يدَ الرئيس بالاستمرار في منصبه دون رقيب أو حسيب.

نعود إلى المادة 85 ف1 آنفة الذكر نفسها:

فالولاية مدّتها سبع سنوات، وقد بدأت بتاريخ 16/7/2014ويُفترض أنّها ستنتهي بتاريخ 16/7/2021 وعلى هذا الأساس يُفترض أن تتم الدعوة للعملية الانتخابية حصراً قبل موعد انتهاء (مدة) ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن ستين يوماً، ولا تزيد عن تسعين يوماً. وبالتالي يجب أن يدعو رئيس مجلس الشعب للانتخاب حصراً بين منتصف نيسان ومنتصف أيار تقريباً.

والسؤال هل يمكن للرئيس أن يستمر في منصبه بالرغم من انتهاء ولاية السبع سنوات، ودون إجراء انتخابات؟ نعم، كما سنرى في المواد الدستورية اللاحقة، ومنها ما تسمح بتأجيل الانتخابات ستة أشهر تقريباً، ومنها ما تسمح له بتمديد فترة الرئاسة إلى أمد غير محدود! في حالات ثلاث هي:

الحالة الأولى: فقد نصّت المادة 87 الفقرة 1 في دستور 2012 على ما يلي:

"إذا حُلّ مجلس الشعب خلال الفترة المحددة لانتخاب رئيس جمهورية جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه إلى ما بعد انتخاب المجلس الجديد وانعقاده، على أن يُنتخب الرئيس الجديد خلال تسعين يوماً تلي تاريخ انعقاد هذا المجلس".

التعليق:

في هذه الفقرة من هذه المادة نجد بأنّ المشرع الدستوري قد أعطى لرئيس الجمهورية فرصة يستطيع من خلالها الاستمرار في منصبه إلى أن يتم انتخاب مجلس الشعب الجديد وانعقاده، وخلال التسعين يوماً التي تلي انعقاد المجلس الجديد، يجب أن يتم انتخاب الرئيس الجديد.

وبناءً على هذا الأساس يستطيع رئيس الجمهورية خلال فترة انتخاب الرئيس وهي الفترة التي تسبق يوم الانتخاب وعلى فرض أنّ موعد الانتخاب هو 1/7/2021يستطيع الرئيس الحالي حلّ مجلس الشعب قبل أيام من عملية التصويت في انتخابات الرئاسة، وبهذه الحالة يتم تأجيل انتخابات الرئاسة ويبقى في منصبه وينتظر مرور تسعين يوماً حتى انتخاب وانعقاد المجلس الجديد، وبعد ذلك وخلال تسعين يوماً أخرى تتم عملية انتخابات الرئاسة، أي يستطيع الرئيس الحالي أن يُماطل بالبقاء دستوريّاً حتى نهاية العام الحالي.

الحالة الثانية: وهي الأكثر غَرابة، هي ما ورد في المادة 87 الفقرة 2 من دستور 2012، والتي نصّت على ما يلي:

"إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهامه حتى انتخاب الرئيس الجديد".

التعليق:

هذه المادة تؤكّد أنّ مدة ولاية الرئاسة قد تستمر لأكثر من سبع سنوات (المدة التقليدية المقرّرة دستوريّاً)، وبالتالي يستمر الرئيس الحالي بالقيام بمهامه حتّى يتم انتخاب رئيس جديد.

- لم يُحدّد هذا النصّ حدّاً  أقصى لمدة استمرار الرئيس في منصبه.

- لم يكشف هذا النصّ عن الأسباب المحتملة والموجبة والظروف التي تستدعي عدم إجراء انتخابات الرئاسة.

- لا يوجد في أي قانون أو لائحة تنفيذية أو تنظيمية تفسير أو تكميل أو توضيح للنص الدستوري.

- لا يوجد في المبادئ العامة للقانون ما يوضّح هذا الأمر.

- لا يوجد في العرف الدستوري ما يدعم هذه الحالة.

- لم يحدّد النصّ الجهة التشريعية أو التنفيذية المخوّلة بالإعلان عن استمرار الرئيس بتجاوز مدة الولاية المقررة .

  - لم يحدّد المشرّع أيضاً نوع الصك التشريعي أو التنفيذي أو التنظيمي الذي ينفذ مضمون هذا النص.

وقد سكتت المادة الدستورية عن كل ذلك، السكتة العجيبة!

الحالة الثالثة: هناك مادة دستورية أيضاً هي المادة 114من دستور 2012 والتي تنصّ على ما يلي:

"إذا قام خطر جسيم وحالّ يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية، لرئيس الجمهورية أن يتخذ الإجراءات السريعة التي تقتضيها هذه الظروف لمواجهة الخطر "

التعليق:

في هذه الحالة أيضاً يستطيع الرئيس البقاء في منصبه دستوريّاً، تحت عدة ذرائع وحُجج، وتحت عنوان مفتوح وهو اتخاذ الإجراءات السريعة.. ويُلاحظ في هذا النصّ ما يلي:

- لم يُحدّد النصّ ماهي الإجراءات السريعة عند قيام حالة من الحالات التي وردت في المادة، مثل الخطر الجسيم والحالّ، يهدّد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن،  وترك النص الباب مفتوحاً على مصراعيه، وبالتالي يحق للرئيس القائم أن يستمر في مهامه دون إجراء انتخابات تحت مقولة إنّ أرض الوطن ليست جميعها تحت السيطرة وأنّ كثيراً من مؤسسات الدولة تعمل خارج سيطرته ولا تقوم بمهامها.. إلخ. وهذا هو الحاصل بالفعل. الأمر الذي يجعل الرئيس القائم يستمر بالبقاء في منصبه.