آخر المحطّات أوّلها  

2018.09.01 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

الثورة السورية ثورة أمة وليست ثورة بلد أو منطقة، ولهذا لا يُستغرب أن تأخذ وقتاً كي تحقّق تطلّعات الأمّة. من قال إن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن قد انتصرت وحقّقت آمال الشعوب في تلك المناطق؟

أرى مثل هذا الطرح استفزازيّاً يثير الشجون ويهدف إلى دعوتنا للحفر التاريخي. لقد استطاعت جماهير تلك البلدان إزاحة رأس الأفعى ولم تتمكّن من قصّ ذيلها.

الطغيان أخطبوط له أذرع متعدّدة لا تعرف الرحمة. لنلاحظ أن الزحف الجماهيري تركّز في النظم الجمهورية. النظم الجمهورية العربية كالحرباء تغيّر لونها تبعاً لمصالح العصابات الحاكمة فيها، وهي كسائق (حربوء) يتميّز بالغباء، يؤشّر بضوء اليسار ويمشي في أقصى يمين الشارع.

لم تنجز الجهوريات شيئاً مما بشرّت به، بل كانت حريصة على اختراق الدساتير التي تتغنّى بها. ترمق حاكم الدول المعادية بنظرة غضب وتصافحه بحرارة من تحت الطاولة، بل تنحني لتقبّل أيدي من تدّعي أنها تقف في وجوههم.

الثورة السورية نقطة الحسم في الربيع العربي، والثورات الأخرى تنويعات ...تنويعات لا تنتصر مالم تنتصر الثورة السورية.

لماذا تأخر انتصار ثورة سوريا؟

السلطة السوريّة تتلقى دعماً من حكومات وهيئات دولية مختلفة، ولا يقتصر ذلك على المحور الروسي- الإيراني - الصيني، فالدول تصفّي خلافاتها وتقوم بالتسويات على حساب الدم السوري وفي الأراضي السوريّة. ولكنني، مثل كلّ السوريين، أتساءل: كيف الطريق إلى وقف نزيف الحرب؟ وكيف نحصّن ما تبقّى من دماء ومن وطن؟

السلطة القائمة في سوريا أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها غير عابئة بمفردات الإنسان والوطن والمواطن والحريّة والحضارة، وهي مستمرّة في طغيانها

السلطة القائمة في سوريا أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها غير عابئة بمفردات الإنسان والوطن والمواطن والحريّة والحضارة، وهي مستمرّة في طغيانها حتى تتمكّن من بسط سلطتها الكاملة على أكبر بقعة ممكنة من الأرض السورية، وحتى تضمن الولاء الكامل من كل من تطاله يدها، هي عازمة على إذابة المعارضين والمحايدين، بالأسيد.

الائتلاف أثبت فشله، كما الحكومة المؤقتة، كما المعارضين الذين طافوا على السطح بغفلة صنعتها فوضى التقلّبات. كل جهة تسير كما يريد لها داعموها. وحين ألتقي الذين يتبعون تلك الهيئات، بشكل فردي، أجد أنّ معظمهم يتمتعون بحسّ وطنيّ عالٍ، وبرجاحة عقل وحكمة مناسبة لوضع الأمور في نصابها الصحيح، غير أن القرارات التي تصدر عن تلك الهيئات تدعو إلى التشاؤم وفقدان الأمل، وتسحب البساط من تحت أقدام الثوّار الذين شاركوا في الثورة لنيل الحرية والكرامة.

فصائل الجيش الحرّ متفرّقة متشرذمة وليست لديها القدرة على حسم المعركة لصالح الثورة، تماماً مثل السلطة التي لا نراها سوى عصابة تتمسّك بما بقي لديها من مساحة لبسط السيطرة. وتأتي داعش وجبهة النصرة وأكوام العصابات المسلّحة وأوبة اللصوص، كلّ منها يعيث فساداً في سوريا حيث تصل يده.  وهكذا يستمرّ الصراع، وتستمرّ المأساة، ويستمرّ القتل والنهب والتشريد والهدم والتشويل والاعتقال.

وماذا بعد؟

أما وقد تخطّت الثورة مراحل متعدّدة، ومرّت بأطوار مختلفة حتى وصلنا إلى أوائل أيلول 2018، وباتت البؤرة الثورية المسلّحة محصورة في إدلب، فقد غدا بإمكان من خطّط لهذا التجمّع أن يتخلّص ممن يمكنهم النهوض بسوريا من خلال حرب تدور رحاها في هذه البقعة الصغيرة، ولا تعود لسوريا قائمة بعد ذلك.

إنّ الدول المتحالفة، سرّاً، تبعاً لمصالحها، دفعت المتطرفين ليشاركوا في الحرب الدائرة في سوريا، على مدى السنوات الماضية، وتبادلت الأدوار في دعم فصائلهم المختلفة، فقضت على الكثيرين منهم، ثم حصرت الباقين، جنباً إلى جنب مع فصائل الجيش الحرّ، ومع الأحرار الذين تمّ تهجيرهم مؤخّراً إلى ادلب.

هل تحتاج القوى المتحالفة إلى ذريعة لتحويل إدلب إلى جهنّم؟ حتى وإن وجدت ذرائع مختلفة فهي ليست بحاجة إليها وسط الصمت الدولي، أو وسط الموافقة المبطّنة على إسكات الصوت الحرّ، وتحويل الربيع العربي إلى جحيم كي تضمن ولاء الحكّام العرب الذين يحرسون مصالحها، ومصالح مدللتهم/إسرائيل/ مقابل بقائهم على كراسي الحكم.

بعد كل هذا الخراب، والمصالحات المشينة، والخيانات المتواترة من معظم قادة الفصائل؛ هل يستطيع المحاصَرون في ادلب حمايتها؟ ما الأدوات التي يملكونها لخوض تلك المعركة؟

يبدو أفق الثورة السورية مسدود مالم ترجع إلى بداياتها. لم نكن نملك شبراً من الأرض، ولم نكن نعوّل على مساعدة أحد، ولم نكن نأبه بالتمويل. إنما خرجنا بصدور عارية مطالبين بالحرية والكرامة. لم نكن نتقن المؤامرات، ولا نعرف الأساليب الخبيثة التي يتبادل الخبرات فيها فروع الأمن في أصقاع الأرض، ولهذا وقعنا في الفخاخ التي نُصبت لنا. هناك تشابه بين ماحيك لنا وماحيك للثورة الفرنسية، ولعلّنا نجري مقارنة واسعة بين الثورتين في وقت لاحق. الآن إن عدنا لنتعلّم الدروس من الثورات التي قامت في الماضي، يمكننا البدء من جديد، ولعلّ ذلك يكون بتشكيل جبهة تحرير كتيمة، تتقن فنّ حرب العصابات لتضرب كل من يحاول إجهاض الثورة، بكل الوسائل المتاحة، من غير أن يكون لها مقرّ محدّد يسهل أخذ إحداثياته للقضاء عليه.

طريق الحرية طويل والثبات، وحده، يصنع المعجزات ويحقق الأهداف. أما من تعب أو ملّ أو داخله اليأس فليفسح المجال إلى ذوي الهمم العالية:

وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً           تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ