«مجاهد» من الفرقة الرابعة

2018.12.03 | 00:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا يشبه العقيد غياث دلا أمثاله من الضباط. إذ يظهر غالباً دون رتبة، وربما ببدلة مرقطة داكنة تجمع الرمادي إلى الأسود. وبسنواته التي تقارب الخمسين ولحيته نصف الشائبة يبدو أقرب إلى شكل قائد في حزب الله أو ضابط في الحرس الثوري، رغم النظارة الطبية والآيباد الأميركي الذي لا يفارق يده، ومنه يقود المعارك عبر القبضة.

ليس هذا هو السبب الوحيد كي تصف بيئة النظام بطلها الثاني -بعد «النمر»- بلقب «المجاهد» الذي تطلقه على القادة من أصول المدنية الذين اجترحوا وقادوا ميليشيات وفصائل أهلية موالية. فرغم أن العقيد من ملاك اللواء 42 في الفرقة الرابعة إلا أنه لم يشتهر إلا بعد أن أسس مجموعات شبه خاصة به حملت اسمه: «قوات الغيث».

رغم أن العقيد من ملاك اللواء 42 في الفرقة الرابعة إلا أنه لم يشتهر إلا بعد أن أسس مجموعات شبه خاصة به حملت اسمه: «قوات الغيث»

ولا تفيد جولة داخل هذه القوات إلا في تعزيز النظر إليها كميليشيا. إذ لا تتألف من عسكريين نظاميين في الفرقة الرابعة بل من خليط من هؤلاء ومن متطوعين مدنيين وحتى من مقاتلي مصالحات. ولا يتوزع جنودها على أفواج وكتائب مرقمة كعادة الجيوش، بل على مجموعات تحمل أسماء قوادها الحقيقية أو ألقابهم الرائجة. كمجموعة الأغواني التي يقودها محمد الأغواني وينتسب معظم عناصرها إلى حي الشاغور بدمشق، ومجموعة مروان بقيادة مروان كمال الدين وتتشكل من فلسطينيين سوريين. ومجموعة رواد عدرة الذي يقود عدداً من أقاربه ومعارفه من سلمية وجرمانا، ومجموعة اللورد أسد التي تضم عدداً من الشبان من أرياف مختلفة لدمشق.

بالإضافة إلى أسماء أقل أهمية كعرندس والصقر والرعد وكاوا وعرين وعلقم والحجي والباشق والأگشر... إلخ. بل إن ثاني أبرز ضباط هذه القوات، وهو المقدم مهند غانم، اتخذ لنفسه تسمية «البرق»، مما أتاح للمجازات التي تتغنى بالجمع بين الغيث والبرق أن تأخذ مداها، قبل أن ينضم إلى نجوم هذه القوات ثالث هو الرائد علاء محمد، الملقب بـ«البحر».

وفي الحقيقة أن ما تعبر عنه الأخبار، خلال السنتين الأخيرتين على الأقل، حين تتحدث عن مشاركة «الفرقة الرابعة» في المعارك هنا أو هناك، إنما يُقصد به هذه القوات، حتى باتت توصف بأنها «درع الرابعة». رغم أن عدد مقاتليها لا يتجاوز مئات قليلة عند الاستنفار الكامل، ولا تحظى إلا بتسليح متوسط. مما يجعلها، وخاصة بالنظر إلى تنوع بدلاتها وتداخلها مع اللباس المدني، وأشكال قبعاتها العسكرية أو الرياضية أو البحرية أو استعمال الكوفية، واللحى المنتشرة بأطوال مختلفة، أقرب إلى صورة من تواجهه من فصائل الجيش الحر والمقاومة الأهلية.

والحق أن بروز اسم العقيد أبو سليمان لم ينفصل عن العوامل الأهلية منذ البداية. إذ يشيع الافتخار بتحدره من بيت ياشوط، البلدة بريف جبلة التي أمدت جيش النظام بعدد ملحوظ من كبار ضباطه، كما يتباهى به جيرانه في مساكن الصبورة للعسكريين بريف دمشق، حيث بدأ نشاطه بقتال ثوار الغوطة الغربية المجاورة وكأنما دفاعاً عن «البيت»، قبل أن ينتقل بقواته إلى مناطق أخرى كالغوطة الشرقية ودرعا.

ففي حين يعتمد الروس قوات «النمر» فإن بعض المؤشرات تدل على قرب دلا من الإيرانيين وحلفائهم المقاتلين على الأرض

لا يتحدث «الغيث» للإعلام، ويكتفي بالصور الثابتة أو المقاطع الصامتة، مما جعله يبدو أرصن من العميد سهيل حسن وأكثر غموضاً وهيبة. ولا يعد هذا الفارق الأبرز بين الرجلين، فضلاً عن التباين الشاسع في القوة الضاربة لصالح «النمر»، بل تمتد الفوارق لتشمل تبنّي الاثنين خارجياً. ففي حين يعتمد الروس قوات «النمر» فإن بعض المؤشرات تدل على قرب دلا من الإيرانيين وحلفائهم المقاتلين على الأرض. ففي المرات القليلة التي ظهر فيها اسم «الحرس القومي العربي»، وهي قوات قليلة العدد تتألف من متطوعين عرباً يؤمنون بمزيج من الناصرية والمقاومة الحزب اللاهيّة، كان ظهورها عبر «كتيبة حيدر العاملي» المقاتلة ضمن «قوات الغيث». فضلاً عن صور تجمع دلا مع العراقي أسعد البهادلي، قائد «لواء الإمام الحسين»، أثناء معارك الغوطة الشرقية التي تدخل فيها الروس لترجيح قيادة «النمر» على قيادة دلا.

ترتفع شعبية العقيد وقواته بالتدريج في الوسط الموالي، دون أن تزاحم شعبية «قوات النمر». غير أن دراستها تتيح الاطلاع على الدرجة التي وصل إليها «الجيش العربي السوري» من الانحلال، وفي قوات نخبوية كالفرقة الرابعة. ومن جهة «سياسية» يحرص إعلاميو «قوات الغيث» على نسبة إنجازاتها إلى ماهر الأسد، رجل الفرقة القوي وقائدها مؤخراً، رغم أن شقيق «الرئيس» لم يُظهر حرصاً على استثمار هذه الانتصارات لصالحه ولو بمجرد التقاط الصور. ومن جهة أخرى مستقبلية لا يبدو أن قوات كهذه، رغم استقلاليتها الظاهرة، تشكل خطراً على سلطة بشار الأسد المركزية ما لم تحصل على دعم خارجي قوي مرجِّح. وسوى ذلك فإنها ستبقى قوى فوضوية على أطراف النظام وفي مصلحته، يمكن تفكيكها خلال أيام إذا اقتضى الأمر.

بعد أن أسهمت في قتال داعش في بادية السويداء مؤخراً، وصلت «قوات الغيث» إلى ريف اللاذقية. وبين جمهورها انتشرت صورة حديثة للمقدم مهند غانم «البرق» ينظر إلى الأفق هناك، مع سؤال عما يفكر فيه، ليتبعه الجواب المرافق فوراً: «بالإبادة الجماعية»!