هل يرحل ترامب وفي حلقه غصة؟

2020.12.09 | 23:41 دمشق

2020-12-09t114814z_98294503_rc2njk9jbabv_rtrmadp_3_global-poy-2020.jpg
+A
حجم الخط
-A

لايزال ترامب يثير الضجيج حوله، فمنذ انتخابه في العام 2016 وهو على هذه الحال، ورغم أن كثيرين توقعوا خسارته أمام هيلاري كلنتون في انتخابات 2016، وأن بعضهم توقع عزله، بعد أشهر، إذا ما قيِّض له النجاح، لكنه خالف الجميع بفوزه، وأنهى سنواته الأربع كاملة مدهشاً خلالها الأميركيين والعالم بأسلوبه البعيد، في أغلب الأحيان، عن البرتوكولات.

وها هو ذا اليوم يحاول تتويج، تغريداته اللافتة، بواحدة من "صرعات" المجتمع الأميركي، إذ ما زال يرفض نتائج الانتخابات، ويزعم النجاح، ويقول بالتزوير متشبثاً بالمحكمة العليا، وبكرسيه في البيت الأبيض، متشبهاً بحكام العالم الثالث هؤلاء الذين يعيشون مراحل ما قبل الثورات البرجوازية التي رافقت التنمية الصناعية، وجاءت بالحرية، وبالأنظمة الديمقراطية، ومن هؤلاء البريطانيون أجداد المهاجرين الذين استعمروا نصف القارة الأميركية، وأسسوا دولة لهم في الطرف الثاني من الكرة الأرضية، لتحاكي ذلك النمط من الحكم بعد تمزق وتوحد وصراع مرير وحروب دامية..

بعد رؤية ما يمكن تسميته "الكوميديا الترامبيّة" تخطر على البال فكرة أكدتها الديمقراطية الغربية والأميركية وتفيد بأنَّ السياسيين في البلاد الديمقراطية، من الرؤساء وذوي المناصب العليا، وقادة الأحزاب السياسية يتقبلون هزيمتهم في الانتخابات أو لدى إقالتهم من وظائفهم بروح رياضية لعدة أمور منها: لأنهم يتشربون الديمقراطية في سياق حياتهم العامة. ولأن معظمهم ناجح في مجال عمله أصلاً سواء كان صناعياً أم تجارياً أم وظيفياً ما يجعله ينشغل عن وظيفة الرئيس غير آبه بها. وربما يكون بعضهم مثقفاً، أو مبدعاً في حقل ما، فيعود إليه باهتمام ومتعة.. على عكس ما هو موجود في بلدان العالم النامي (المتخلف) إذ ترى غالبية الحكام يأتون من قراهم أو بلدانهم عراة من المال والجاه، تحكمهم عقلية المختار أو زعيم القبيلة أو الطائفة مستغلين وجودهم في جيش أو حزب يمتطونه منتظرين فرصتهم المناسبة للانقضاض على السلطة، فيجعلونها وسيلة مال وجاه، وتسلط وتوغل.. (حافظ الأسد نموذج، والأمثال كثر) إذ ما إن يقتنص أحدهم فرصته رئيساً أو ملكاً حتى يغدو القانون عجينة بيده تعبث به عُقدُ الأنا وهوى الذات، فلا يغادر مملكته إلا بالموت الطبيعي أو بالإكراه، ذلك إن لم يورث! وهكذا يبدو ترامب اليوم وجهاً آخر لهؤلاء الحكام، رغم كثرة شركاته وملياراته الأربعة، وحزبه الجمهوري، يتناوب على الحكم مع الحزب الديمقراطي منذ إعلان دستور الولايات المتحدة الأميركية عام 1789 ولم يخترقهما إلا عدد محدود من الرؤساء المنتمين إلى أحزاب صغيرة أو أفراد مستقلين ومنهم جورج واشنطن أول رئيس اختاره المجمع الانتخابي.

كانت سنوات حكم ترامب حافلة بحق.. فلا يكاد أن يمر يوم إلا ويكون ترامب قد فاجأ العالم بأمر ما.

كانت سنوات حكم ترامب حافلة بحق.. فلا يكاد أن يمر يوم إلا ويكون ترامب قد فاجأ العالم بأمر ما.. وإذا كان لابد من الإيجاز في هذا المجال، فيمكن الإشارة إلى أهم القضايا السياسية التي تنسب له، ومنها مراجعة العلاقات الأميركية الصينية، وكذلك إعادة صياغة الاتفاقيات الاقتصادية الدولية، ثم إلغاؤه الاتفاق النووي مع إيران التي أكثر ما أقلقته خلال فترة رئاسته ولم تزل، إذ اقتربت من حلفاء أميركا التاريخيين وفي مقدمتهم إسرائيل والمملكة العربية السعودية وجيرانها ففرض عقوبات على قيادة طهران وأذرعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن وكل من يتعامل معهم من رجال مال وأعمال ثم أتى على اغتيال "قاسم سليماني"، أواخر العام 2019 رجلها الأهم وأتبعه بفخري زاده الذي وصف بأنه عالم نووي ويوازي سليماني بخطورته..

أما ما يُعَدُّ من أخطائه التي ساهمت في عدم نجاحه فهي داخلية كمسألة كورونا! إذ ساهم موقفه بزيادة نسبة الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة الأميركية على نحو لافت.. وهناك مسألة تخفيضه نسبة الضرائب عن الشركات الكبرى الأكثر ربحاً، ومحاولته الالتفاف على قانون الضمان الصحي ثمَّ حادثة قتل الشاب الأسود جورج فلويد، وخلافه مع وزير الدفاع وإقالته بعد عدة أشهر.. وكان قد رفض إنزال الجيش لأجل قمع المتظاهرين الذين دانوا طريقة موت مواطنهم فلويد، وعدّوها من جرائم القتل العمد بدوافع عنصرية محضة. ومن أخطاء ترامب التي استغلت أيضاً موقفه ضد الهجرة والمهاجرين الذين تجاوزوا عشرة الملايين..

وإذا كان كل ما ذكر من أفعال ترامب يهم الأميركيين وحدهم، فإن ما قدمه للإسرائيليين من دعم غير مسبوق وعلى حساب الشعب الفلسطيني وتصفية حقوقه، ما لم يقدمه نظراؤه من الرؤساء، منذ قيام دولة إسرائيل وإلى اليوم! وفي الوقت نفسه كان أكثر إيذاء للعرب عموماً، إذ تصرف بالأراضي الفلسطينية والعربية، وكأنها ملكية شخصية، والغاية إنهاء القضية الفلسطينية من خلال: (وضع القدس، صفقة القرن، ثم رعايته انفتاح العرب على إسرائيل وفق "سلام القوة"، بحسب نتنياهو، تشجيع الاستيطان وبناء المستوطنات، تأييده ضم الجولان). ومن هنا يمكن القول إن ترامب الذي رفع شعار أميركا أولاً، لم يكن يعني أميركا الدولة العظمى، بل أميركا العنصرية التي تتعالى على شعوب العالم أجمع.. بينما يريدها العالم دولة تتماهى مع رقيها العلمي والتكنولوجي، وأن تنظر إلى العالم بعين واحدة، وتكتال بمكيال واحد..

يبدو ترامب اليوم مثل ذئب جريح إذ يشعر، وقد تضخمت أناه الفردية حدَّ الجنون، بأنه مطعون، فكيف يهزم وقد قدم لبلاده وشعبه خدمات جُلَّى، إنه شعور المجتهد أمام الناخبين الجاحدين.. فتراه خلال هذه الأيام لايزال يضرب يميناً ويساراً لعله يجد ثغرة ما يفرِّغ انتفاخ ذاته أو يجد منجاة له من حصار القوانين الأميركية وقيم الحرية والديمقراطية. وبخاصة أنَّ واقع الحياة اليوم يتطلب عقلية جديدة تتوافق مع النمو العلمي والتكنولوجي.. وقد قالتها هيلاري كلنتون: إنها وحزبها يأخذون ما تريده أميركا باللين على عكس الجمهوريين.. وربما عبرت تهنئة أصدقاء ترامب المقربين في منطقتنا للرئيس بايدن، وإن بعد تردد، وأهمهم بنيامين نتنياهو، ومحمد بن سلمان، ولكل منهما أسبابه المعروفة طبعاً، رغم ما قد فعله من أجلهما! وكذلك فعل ترامب بإعطائه "إميلي ميرفي" رئيسة إدارة الخدمات العامة في البيت الأبيض مساحة خضراء للبدء بتسليم السلطة لإدارة بايدن، محتفظاً بحقه في متابعة دعاويه حول التزوير وبذلك تكون الديمقراطية الأميركية قد عبرت عن عمقها وارتباطها بمؤسسات الدولة الوطنية، وتبقى إيران غصة في حلق ترامب رغم كل ما فعله، فهل تكفيه أيامه الأربعون المتبقية لفعل ما يزيل تلك الغصة وبذلك يقطع الطريق على بايدن في إعادة مناقشة الاتفاق النووي، وبذلك يغادر البيت الأبيض مرتاح البال متهيئاً لانتخابات قادمة بعد أربع سنوات..!