ترامب يفرض جدول أعمال بايدن الإيراني

2020.11.18 | 23:36 دمشق

2020-11-18t095946z_1003962232_rc2l5k9huj00_rtrmadp_3_global-poy-2020.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مراكمة كم هائل من العقبات أمام الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن قبل تسلّم ولايته. كل هذه العقبات هدفها وضع صعوبات كثيرة أمام احتمال عودة بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران، على طريقة باراك أوباما، وفرض مسار لا يمكن من خلاله الخروج عن الخط الإستراتيجي الذي فرضته إدارة ترامب منذ الخروج من الاتفاق النووي إلى اتباع سياسة العقوبات القصوى مع إيران بموازاة تنفيذ عمليات تستهدف قادة إيرانيين أو مخازن ومصانع أسلحة وصواريخ أو مواقع في سوريا.

جزء أساسي من هذه العقبات لا بد من قراءته مما كتبته جريدة النيويورك تايمز عن قتل إسرائيل عبر عميلين لها في طهران، للرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبو محمد المصري، وذلك في إعادة التوصيف الأميركي الحقيقي لإيران كحاوية لكل القيادات الجهادية والإرهابية على أراضيها، وهنا لا بد من العودة إلى تقارير أميركية كثيرة تحدثت سابقاً عن احتضان طهران لكل هذه القيادات واستخدامها في ساحات كثيرة.

مثل هذا التسريب لا بد أن تنجم عنه تداعيات كثيرة، أولها وضع إيران في مصاف راعية الإرهاب، وضرب النظرية الأوبامية التي تجلت في العراق وسوريا عبر التقاء المصالح الأميركية الإيرانية في حينه على مواجهة الإرهاب، فكانت الطائرات الأميركية تقصف تنظيم داعش من الجو فيما القوات الإيرانية تقاتل التنظيم على الأرض.

مثل هذا التسريب لا بد أن تنجم عنه تداعيات كثيرة، أولها وضع إيران في مصاف راعية الإرهاب، وضرب النظرية الأوبامية التي تجلت في العراق وسوريا

هنا ثمة صورة رمزية لا بد من التوقف عندها وأخذها في الحسبان. الطائرات الأميركية كانت في أيام أوباما المتحمس للاتفاق النووي، والقوات الإيرانية كانت تحت قيادة قاسم سليماني. إدارة ترامب، أجهضت الاتفاق النووي، وانقلبت على كل سياسة أوباما واغتالت قاسم سليماني.

فتأتي الخطوات الجديدة التي يقوم بها دونالد ترامب بعد خسارته للانتخابات الأميركية إلى ترسيخ مبدأ الفصل بين واشنطن وطهران، ومراكمة كم هائل من الملفات الخلافية والعدائية والتي تؤسس إلى استمرار الصراع. ليس فقط بتصعيب مهمة بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي، إنما أيضاً بفرض توازنات جديدة تمنع إيران من استعادة السيطرة الواسعة في سوريا والعراق، والأمر الذي سيكون له انعكاس على لبنان.

ما كشفت عنه جريدة نيويورك تايمز سيضع إيران أمام استهدافات أميركية جديدة في المستقبل، ما سيمنع بايدن من التعاطي مع طهران كما تعاطى باراك أوباما، لأن أميركا تعيد تصوير إيران كراعية للإرهاب، ما يجب أن يفرض تغيراً في قواعد اللعبة، قد يصل إلى حدّ تبرير تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف مواقع أو شخصيات إيرانية بسبب رعاية الإرهاب، وممارسة مزيد من الضغوط لمحاصرة إيران أوروبياً وروسياً أيضاً بسبب العلاقة الإيرانية مع تنظيم القاعدة.

وسط هذا المسار الأميركي، تسرع قوى عديدة في منطقة الشرق الأوسط إلى مراكمة ملفاتها وزيادة أوراق قوتها، فقد أسرعت تركيا في حسم معركة قره باغ، والمغرب يصفي حساباته مع بوليساريو، وروسيا تعمل على تنفيذ ضربات موسعة في إدلب بعد انسحابات تركية من بعض نقاطهم المحاصرة من قبل قوات النظام. وهنا يطرح سؤال أساسي حول ما يمكن أن تقوم به إسرائيل سواء في لبنان أو سوريا، مع تنامي الحديث عن إمكانية حصول عمل عسكري تهدف إسرائيل من ورائه إلى تغيير موازين القوى.

بحسب المعطيات المتوفرة، فإن المسار الأميركي سيبقى على حاله في ظل إدارة جو بايدن، أو بالحدّ الأدنى سيستمر على هذا الحال لسنتين، كلام المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري في غاية الوضوح بهذا المجال، إذ ينصح إدارة بايدن بإبقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه، لأن هذا الستاتيكو هو السبيل الوحيد لممارسة أقصى درجات الضغوط، وما ينطبق على سوريا لا بد أن ينعكس على لبنان الذي سيستمر الوضع فيه إلى مزيد من الانهيار والترهل. بانتظار لحظة التفاوض ضمن صفقة شاملة. 

هنا سيبقى الأسد على رأس النظام السوري، كحاجة إلى تمديد مسار الانهيار والتشظي، ففي السياق الجيوستراتيجي يمثل بشار الأسد مصلحة لكل القوى، لأن بقاءه يعني أن سوريا ستبقى مقسمة، وفي حالة انهيار مديد، شعبها مهجّر، وساحة استنزاف لكل القوى.