بين مطرقة القبر وسندان الحقد

2019.02.24 | 23:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

رغم أن المنطق يعجز أحيانا عن التحكم بتوصيف القضية السورية إذ إن البعض يحاول منطقة الأمور وعلى رأسها أن البلاء الكامن في القضية السورية لا يمكن حصره بشخص؛ فالقوى المتدخلة بالشأن السوري يصعب حصرها أحيانا.

واقع الحال، وعلى ضوء ما سمعناه من رأس النظام الأسبوع الماضي، يبدو أن شخصاً واحدا تحكم وربما يتحكم بما يجري. البعض يدفع بهذا التشخيص أبعد من ذلك ليقول إن سوريا تُحكم من القبر؛ ويرى الدليل بفتحها الكثير من القبور. يرى هؤلاء أن بشار الأسد لم يتمكن من أن يزيح قيد أنملة عن السكة التي غرس حافظ الأسد جذورها منذ نصف قرن، ومكتوب عليها: "إما أن تكون لي، أو لن تكون لأحد" – حتى لابنه – ولذلك لايزال يشد خيوط اختناقها من القبر.

لم يكتف هؤلاء بتنصيب أنفسهم أوصياء على من لا يشبههم؛ فمن عندهم تصدر صكوك الثورجية والوطنية كما تصدر من عند سلطة الاستبداد صكوك مشابهة

من هنا، شهدنا ولا زلنا تطبيق مبدأ (الكل، أو لا شيء)، إنه مبدأ القبور المبني على الإلغاء أو الإقصاء أو الإبعاد أو الموت للآخر متى فكر أو شكك أو تذمر أو توجع أو طلب الإنصاف أو حتى اشتكى بحسن نية.  إنه مبدأ من ليس معي، عدو لي؛ ومن لا يطبل ويزمر لي، لابد أن يُقصى؛ ومن هنا أتى التصفيق الأعمى في الخطاب الأخير. إنه مبدأ ما يقوله القائد- ولو كان هراء أو كذبا- فهو الصحيح، وما يقوله غيره بلا قيمة. وما يفعله غيره – إن كان مخالفا لما يريده – قد يصل إلى الخيانة. إنه مبدأ {(باسم الدولة) التي هي أنا ...} أتواصل حتى مع العدو الإسرائيلي؛ ومَن يحالفني، أو يفعل ما يشبه ما أفعل، يعتبر عميلاً، ويضعف عزيمة الأمة. تلك هي جذور شعار "الأسد أو نحرق البلد"؛ ومن هنا كانت الحصانة العالمية التي قادتها إسرائيل مسخرة أمريكا وروسيا ومتناغمة مع ما أراده وزرعه ملالي طهران لسنين.

مقابل تلك السموم القادمة من القبور، ماذا فعل بعض أهل الضفة الأخرى، الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب حق حصري في مقاومة نفثات السموم تلك؟ هذا البعض تحوّل إلى نسخة كربونية، ومالك حصري لتلك المواصفات التي ذُكرت أعلاه. السلطة ترمي نفايات طائفية، فيتلقفها هؤلاء – حتى من جيشه الإلكتروني الذي تقوده إيران – ويغوصون في هذا المستنقع الآسن الذي فرشت له السلطة.  هذا البعض استحضر المقابر لتطلق أحكامها على كثيرين ممن رفضوا ظلم النظام واستبداده، وقرّبوا وانتسبوا إلى إمارات داعشية ونصروية تتناغم مع رائحة وصوت القبور القادم من الضفة الأخرى.

لم يكتف هؤلاء بتنصيب أنفسهم أوصياء على من لا يشبههم؛ فمن عندهم تصدر صكوك الثورجية والوطنية كما تصدر من عند سلطة الاستبداد صكوك مشابهة:” فلان مناسب، وعلاّن غير ذلك، عمر طويل، وزيد قصير، حنّا لا يزال مرتبطاً مع النظام، وسميرة لا تزال شبيحة، وفريد علماني كافر ومديحة مع المجموعة الفلانية؛ وفلان باع ونعسان اشترى"؛ تماماً كما أراد النظام يتصرفون؛ تماماً كخطاب النظام يخطبون؛ تماماً كما يخوّن النظام من ليس معه، يخوّنون ويظلمون ويقصون.

في ظل كل ذلك، وجد السوري نفسه أمام مشهد سُريالي؛ فهذا باسم ربّه يقطع الرؤوس، وذاك باسم رئيسه يرمي البراميل، وثالث باسم حقده وطائفيته يلغي أخاه في الوطن

في ظل كل ذلك، وجد السوري نفسه أمام مشهد سُريالي؛ فهذا باسم ربّه يقطع الرؤوس، وذاك باسم رئيسه يرمي البراميل، وثالث باسم حقده وطائفيته يلغي أخاه في الوطن. وبين هذا وذاك وذلك ضاع السوري ووطنه؛ وزاد بذلك استهداف الخارج للسوري وبلده؛ وتمثّل باحتلال متعدد الرؤوس. ولا يتوقف نظام الاستبداد عن الحديث عن السيادة!!

فما هذا الغضب؟! وعلى أي جنب هذا السوري يستريح. ما أسهل عبارة طارق: " العدو من أمامكم، والبحر من ورائكم"؛ ماذا يفعل السوري وبلده أمام ألف عدو وألف بحر. وإن كان يُعاقب على ذنوب ارتكبها؛ فقد نال من العقاب ما يعادل كل ذنب. بقي عليه أن ينتظر عدل الله وفرجه؛ والله خير نصير.

يكفي أن أذكر عاصفة ثلجية واحدة تحل بخيمة فيها أطفال سوريون وأمهم في حالة ضعف مطلق، وعوز مدقع، وذل موجع، لتلعن كل رئيس وكل ملك وكل منظمة أو مؤسسة صاحبة سلطة يستمرون برؤية هذا الظلم ويبقون صامتين. والآن، ها هو نظام الاستبداد يبقى مع شعاراته: "أحكمها أو أدمرها"/ "إن لم تكن لي، لن تكون لأحد"/ و /"أنا، أو لا أحد"/؛ وها هو يدمرها، ولا يحكمها؛ وما هي له، بل لكل أحد. يكفيه منظر الذل في قاعدة حميم. يكفيه استخدام عبارة "قطط لوصف شعب سورية"؛ وهو الذي ما تجرأ يوماً أن يدافع عن أرض سورية وشعبها في وجه المعتدي، محتل الأرض.  ويبقى صوت السوريين يصدح عالياً: {ارحل! نريد أن نعيش}.