برعاية الأسد الوباء يقتل جميع السوريين

2020.08.06 | 00:06 دمشق

kwrwna_alnzam_2.png
+A
حجم الخط
-A

هنا، وفي هذا المكان كتبت قبل عدة شهور عن طرافة ما يقوم به السوريون، حينما يشبّهون فيروس كورونا ببشار الأسد.

آنذاك، كانت سوريا بعيدة عن لغة الأرقام المتصاعدة لعدد المصابين بالوباء، وكان السياق مرتبطاً بالكوميديا السوداء لجهة ادعاءات مؤسسات النظام عن أنها باتت مرجعاً عالمياً في الإجراءات الصحية، وأنها قامت بإغلاق الحدود، وأنها تتابع الأوضاع بشكل دقيق، وأنها تقوم بوضع الموانع في وجه تمدد الفيروس نحو البلاد! حيث وصلت مفاعيل هذه الموانع إلى قيام إدارة محافظة حلب بحفر متر في مدخل المدينة، وقامت بملئه بالمعقمات، لكي تكون السيارات الداخلة إلى المدينة نظيفة، لا تحمل أية أمراض معدية، بما فيها كوفيد 19-كورونا!

الجهل في فهم طبيعة الفيروس، والعجز عن إدراك قدرته على إصابة كل البشر، مظهران حكما طريقة تعامل النظام وغيره من قوى الأمر الواقع ميدانياً وسياسياً، مع الوباء منذ البداية!

هنا، للأسف ستنقلب وبشكل رهيب البلاغة، حين سنتذكر تصريح بشار الأسد في بداية 2011 الذي قال فيه إن سوريا ليست تونس وليست مصر وليست ليبيا، وإنها لن تتأثر بالربيع العربي!

ولكن سوريا كانت الأنموذج الأشد قسوة للثورات العربية، ومحاولات الشعوب التحرر من براثن القمع والديكتاتورية!

ومع حالة الإنكار التي صاحبت وجود كوامن وبؤر أولية للمرض المستفحل عالمياً، ها هي سوريا تتحول إلى واحدة من أكثر الحالات مأساوية في تعرضها للخسائر البشرية بسببه!

سخر السوريون دائماً من الأسد ونظامه، لكنهم في المقابل كانوا يدفعون أثماناً عظيمة لقاء رفضهم لأن يستمر وعائلته بحكمهم، وقد سخروا من فيروس كورونا، وهاهم يدفعون الأثمان أيضاً!

سخر السوريون دائماً من الأسد ونظامه، لكنهم في المقابل كانوا يدفعون أثماناً عظيمة لقاء رفضهم لأن يستمر وعائلته بحكمهم، وقد سخروا من فيروس كورونا، وهاهم يدفعون الأثمان أيضاً! ليس بسبب استهتارهم بالوباء، بل بسبب تراخي الأسد ونظامه بكل مؤسساته، حتى الطبية، وعدم الجدية في التعاطي مع قدرة الفيروس على التمدد.

فمنذ الإغلاق "غير الجدي" الأول، مروراً باحتجاز المسافرين العائدين، وصولاً إلى لهاث النظام، الذي أربك حتى داعميه إلى إجراء الانتخابات البرلمانية، وكسر سلسلة التباعد الاجتماعي بين السوريين، وما تبع ذلك من اطمئنان الناس في أيام عيد الأضحى، حيث تناقلت المواقع الإخبارية صوراً للتجمعات البشرية في دمشق، كانت تشي فعلياً بعدم وجود أي خطوات جدية لصد المرض!

كل الإجراءات التي فرضت على السوريين فرضاً، كانت تعاني أساساً من أبرز الأعراض التي تدمر البلاد، أيُ بلاد وليس سوريا فقط، وهو؛ فقدان الثقة بين الدولة وبين مواطنيها!

والجميع في سوريا يدركون أن كل شيء هنا مرتبط بالسياسة، حتى أشد عتاة مؤيدي الأسد، ولكن فهم هؤلاء للأمر يبدو معكوساً؛ فإذا كانت طريقة تعاطي الحكومات مع جائحة الفيروس ستتسبب بسقوطها، فإن انتشار الفيروس في مدينتي دمشق وحلب، لن يُسقط النظام، بل سيُسقط السكان المصابين فقط!

وفي ظل الحرب المستمرة ضد الشعب السوري منذ عشر سنوات تقريباً، من سيجرؤ على رفع شعار محاسبة المتسببين بالكارثة؟

فأحزاب الداخل ولاسيما تلك المرتبطة بأجهزة الأمن، تجتمع وتتحالف ضد البعثيين الذين "زوروا" انتخابات مجلس الشعب! بينما تروج أحزاب وقوى سياسية معارضة أخرى إلى أن قانون قيصر "الإمبريالي" هو سبب انتشار الفيروس، بسبب إجراءات الحصار على مؤسسات النظام!

وفي الوقت ذاته، تنادي مؤسسات عالمية مختصة النظام من أجل أن يعلن حالة الطوارئ الصحية في البلاد، ولكنه لا يستجيب! وهكذا تنتظر البلاد مصيبة جديدة برعاية أسدية كاملة، حيث أشارت أقوال منسوبة إلى رئيس قسم الدراسات الوبائية في وزارة الصحة الألمانية، عن أن عدد الإصابات الفعلي في سوريا وصل حوالي مليوني ونصف حالة، وأن الجائحة في البلاد تأخذ مجرى الانفجار الأفقي والعمودي، الأمر الذي يقود إلى "كارثة كبرى لم يشهد لها العالم مثيلاً"!

مؤسسات المعارضة في الخارج بدورها، لم تكن بعيدة عن فشل النظام وعجزه، فرغم محاولتها القيام بإجراءات للحد من انتشار المرض في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة النظام، إلا أنها لم تكن جدية فعلياً، حيث تظهر الصور كيف أن الحياة كانت تجري بشكل طبيعي، بينما على بعد كيلومترات قليلة كانت ثمة إصابات تتصاعد أعدادها!

وأظن أنه لن يكون بعيداً الوقت الذي تصبح فيها مفردات المرض متساوية بين الجميع، ضمن التقسيم الحالي؛ أي المناطق التي يسيطر عليها النظام، وتلك التي تسيطر عليها المعارضة بكل أشكالها!

كما أن تأثيرات الانتشار التصاعدي للمرض المتوقعة، لن تبقي أيّا من القوى العسكرية المنتشرة على الأرض بعيدة عن التعرض للسعاته المميتة!

ما يؤدي في النهاية إلى طرح سؤال قاسٍ يهمسه الجميع داخل أنفسهم، كانت لديهم دوافع وطنية أم لم تكن، ويتصل بإمكانية خلق فضاء عابر أو ممرات آمنة بين الجميع، تُمكن المؤسسات الصحية والطبية النفاذ إلى الموارد والتعاون من أجل إيقاف الوباء!؟

يدرك كاتب هذه السطور مدى عمق الخنادق التي حفرتها جرائم النظام بين السوريين، ولكن وقبل أن يستنكر أصحاب الرؤوس الحامية طرح فكرة كهذه، عليهم أن يروا كيف أن العلاقات الاقتصادية بين المناطق السورية ما زالت تعمل وإن بطرق مخفية!

وعليه فإن القبول أو التواطؤ الضمني مع أمور كهذه، يجب أن يكون علنياً طالما أن مسببات الموت في سوريا لم تعد فقط قذائف ورصاص وبراميل متفجرة!

بل باتت أشد وطأة وكارثية، حيث لن تحمي الملاجئ أحداً، من هواء ينقل الوباء في كل الاتجاهات!