اللجنة الدستورية انتصار على من؟

2019.09.27 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ثمة ما يوجب عودة الحديث عن تشكيل اللجنة الدستورية التي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش عن تشكيلها يوم الإثنين الفائت ( 23 – 9 – 2019 )، وتجدر الإشارة إلى أن الشروع بتكريس العمل على تشكيل هذه اللجنة قد بدأ منذ انعقاد لقاء سوتشي في 30 من كانون الثاني 2018، أي إن عملية تشكيلها استغرقت عشرين شهراً، استطاع بوتين خلال هذه الفترة تمكين نظام الأسد من استعادة السيطرة العسكرية على الغوطة ودرعا، في حين يتم – منذ منتصف نيسان الماضي – الإجهاز على إدلب وشمالي حماة،  ذلك أن حرب الروس على الشعب السوري باتت ذات معالم استراتيجية واضحة، أي من الضروري – وفقاً لموسكو – أن يتوفر الغطاء السياسي لأي معركة، وقد كان مسار أستانا التفاوضي هو الغطاء الذي استثمره بوتين بالشكل المطلوب، وذلك من خلال بدعة ( مناطق خفض التصعيد) والتي انتهت ثلاث منها إلى سيطرة نظام الأسد، في حين يتم العمل على استكمال السيطرة على الرابعة، وبهذا يكون مسار أستانا قد آتى ثماره بالنسبة إلى الروس، بينما عزّز – من جانب آخر – مأساة السوريين، ليس من جانب استعادة نظام الأسد السيطرة على الأرص فحسب، بل لسقوط الآلاف من المدنيين، وحملات التهجير القسري التي اجتثت قسماً كبيراً من مواطني الغوطة ودرعا، وقذفت بهم إلى المحرقة المُنتظَرة ( إدلب).

لعلّ المفارقة الموجعة – بالنسبة إلى السوريين – هي أن تتحوّل هذه الفواجع التي كانت ثمناً لتشكيل اللجنة الدستورية، إلى مُنجز يبعث على الفخر

لعلّ المفارقة الموجعة – بالنسبة إلى السوريين – هي أن تتحوّل هذه الفواجع التي كانت ثمناً لتشكيل اللجنة الدستورية، إلى مُنجز يبعث على الفخر لدى هيئة التفاوض السورية، وربما كان التعبير الأنصع عن هذه النشوة هو تصريح رئيس هيئة التفاوض السيد نصر الحريري الذي رأى في اكتمال تشكيل اللجنة الدستورية نصراً كبيراً للسوريين.

واقع الحال يشير إلى أن تصريح نصر الحريري ينطوي على مسألتين بالغتي الخطورة، وتنذران ببداية فصل جديد من طبيعة العلاقة بين مؤسسات المعارضة السورية وجمهور الثورة، لعلّ أولاهما أن تحدّي إرادة السوريين والاستهتار بتضحياتهم وتجاهل تطلعاتهم، لم يبق رهين التأويل والاستنتاج واستقراء النوايا، بل غدا سافر المعالم، واضح الغايات، مُعزِّزاً القناعة لدى معظم السوريين بأن حرص كيانات المعارضة على أن تكون أمينة في تمثيلها لمصالح أوليائها الخارجيين ومصالحها الشخصية المتواضعة، أكثر بكثير من حرصها على أن تكون ممثِّلة للمصالح الوطنية السورية، وثانيتهما تكمن في نزوعٍ مضحك نحو تحويل الإخفاقات المزرية إلى انتصارات، ولا ندري، لعلّ النصر الذي تجسّد في تشكيل اللجنة الدستورية، قد يكون حلقة في سلسلة انتصارات مشتركة للنظام والمعارضة معاً على الشعب السوري المقهور، ذلك أن نشوة الحريري في إعلانه عن الانتصار، قد شاركته بها صحيفة ( الوطن) المقرّبة من نظام الأسد، حين تحدثت في عددها الصادر يوم الثلاثاء 24 – 9 – 2019 ، عن قبول المعارضة بالعمل على تعديلات دستورية تطول الدستور الحالي ( 2012 )، وليس العمل على صياغة دستور جديد، وفقاً لما نسبته إلى المبعوث الدولي غير بيدرسون، الذي التقى وزير خارجية نظام الأسد وليد المعلم يوم 22 – 9 – 2019.

على أيّة حال، ليس من المهم – فيما أعتقد – التفكير في مجريات عمل لجنة الدستور، وآليات عملها، ومن ثم المخرجات التي تُنتَظر منها، بقدر ما ينبغي التفكير بمخاطر هذه الخطوة، سواء نجحت أم لم تنجح، لأن مجرّد إقرارها سيكون اعترافاً قانونياً بالتخلّي عن جوهر العملية السياسية، وأعني مسألة ( الانتقال السياسي)، ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن القرار الأممي ( 2254 ) لعام 2015 ، يشير بوضوح إلى أولوية إنشاء حكومة وطنية غير طائفية، كاملة الصلاحيات، تتشكل خلال ستة أشهر، ثم تعمل هذه الحكومة على تشكيل لجنة لكتابة دستور جديد للبلاد خلال ثمانية عشر شهراً، ثم تبدأ عملية الدخول في انتخابات جديدة وفقاً لما ينص عليه الدستور الجديد، وهذا يعني أن المرجعية السياسية التي تتبع لها لجنة كتابة الدستور ستكون هي الحكومة ( الوطنية غير الطائفية) أي هيئة الحكم الانتقالي، وليس حكومة بشار الأسد، أمّا شروع هيئة التفاوض بالانخراط في لجنة الدستور، متجاوزة تشكيل هيئة حكم انتقالي، فهذا سيمنح الأسد كامل الشرعية باعتباره ما يزال المرجعية السياسية للبلاد، فضلاً عن أن الإقرار بشرعية نظام الأسد – كمرجعية سيادية سياسية – سيسهم في عرقلة العديد من المساعي القانونية والحقوقية التي تحاصره وتطالب بمحاكمته، باعتباره مجرماً بحق الإنسانية، كما يمكن التأكيد على أن من التداعيات الخطيرة لمساعي اللجنة الدستورية بشكلها المنتَظر، هي أنها ستكون مناخاً ملائماً لكسر الحصار والمقاطعة الدولية لنظام الأسد، بالنسبة إلى العديد من الدول العربية وغير العربية، التي تتحيّن الفرصة لإعادة علاقاتها الطبيعية مع نظام الأسد، وقد لجم جموحها سابقاً الفيتو الأمريكي، أمّا وقد بدأت المعارضة بتدشين إعادة تعويم النظام، فحينئذ لن يكون الآخرون ملكيين أكثر من الملك.

لقد أفلح بوتين أيّما فلاح، في التعامل الانتقائي حيال تعاطيه مع القرار الدولي ( 2254 )، ولم تظهر جدّية الروس سوى في تنفيذ ما يهدفون إليه فحسب، ذلك أن القرار المذكور كان قد نصّ صراحة في بنوده ( 12 – 13 – 14 ) على وقف إطلاق النار، ولم يتحقق ذلك، كما أشار إلى فك الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة و إدخال المساعدات الإنسانية إليها، وقد انتهت جميع هذه المدن والبلدات إلى سيطرة النظام، كما أكّد على الإفراج عن المعتقلين، ولم يحدث شيء من هذا، ولعل الأهم هو إفراغ هذا القرار من محتواه الجوهري، بتجاوز عملية الانتقال السياسي، فما الذي بقي من جوهر هذا القرار؟.