الانتخابات التركية .. صراع سياسي بين اتجاهين

2018.06.23 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

الحياة السياسية التركية ترتبط بالضرورة بصيرورة تطور المجتمع التركي ونخبه السياسية والتي بدت على نموذجين اثنين في مرحلة أواخر حياة الدولة العثمانية وبداية الحياة الجمهورية، نموذج جمعية الاتحاد والترقي والتي أخذت بالفكر الفرنسي الانقلابي ونموذج كتلة الأحرار والاشتراكية وأخذت بالفكر الانكلوسكسوني الذي يؤمن بالتطور التدريجي . ويعتبر مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك من أتباع النموذج الفرنسي والذي استطاع السيطرة على الحياة السياسية في تلك الآونة بدءً من عام 1923 .

الاستقطاب السياسي الذي حدث في ذلك التاريخ ما يزال يفعل فعله ولكن مع تغير بنيوي حقيقي في حجم ودور كل نموذج من هذين النموذجين .

ويمكن للمراقب الحيادي غير التركي أن يرى في درجة الاستقطاب السياسي الحالية شكلاً من أشكال التعبير عن الصراع بين اتجاهين تركيين .فالاتجاه الذي يسلكه حزب العدالة والتنمية ومعه حلفاؤه يُظهر أن هذه الكتلة السياسية ترتكز على أوسع قاعدة شعبية وهي الطبقات الشعبية المهمشة قبل عام 2002 ومعها البرجوازية المتوسطة وتحديداً قوى الانتاج الصاعدة من أصحاب المعامل الصغيرة ومؤسسات الانتاج التقنية الحديثة إضافة إلى نسبة عالية من ذوي الدخل المحدود والذين أحسوا جميعاً ولمسوا الفرق الاقتصادي والسياسي بين ماضيهم وبين ما أوصلهم إليه حزب العدالة وائتلافه خلال ستة عشر عاماً .

أما الاتجاه الثاني والذي يسلكه حزب الشعب الجمهوري وبقربه أحزاب تنهج نفس رؤيته فهذا الاتجاه يعبّر عن طبقة اجتماعية ثرية شكّلت ثراءها الاقتصادي خلال مراحل تطور الحكم في مرحلة الجمهورية التركية  هذه الطبقة الاجتماعية ترتكز على رؤية سياسية تمثل هذه الشرائح الاجتماعية ولكنها تفتقر إلى وجود برنامج قادرٍ على لمّ القاعدة الشعبية التركية حوله . فالخلاف بين النهجين السياسيين السابقين هو خلاف في بناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، أي أنه خلاف سياسي يرتكز على خلاف عميق في بناء الاقتصاد الوطني وبالتالي يختلف حول دور تركيا كدولةٍ في محيطها الإقليمي والدولي . ولكن جلّ هذا الاستقطاب السياسي في هذه البلاد في معركتها الانتخابية يتمّ تصويره عن قصدٍ على أنه منع لديكتاتورية مفترضة سيقوم على ترسيخها الرئيس رجب طيب أردوغان إذا ما فاز بالرئاسة في هذه الانتخابات .

فالاتجاه الذي يسلكه حزب العدالة والتنمية ومعه حلفاؤه يُظهر أن هذه الكتلة السياسية ترتكز على أوسع قاعدة شعبية وهي الطبقات الشعبية المهمشة قبل عام 2002 ومعها البرجوازية المتوسطة 

ولكن هذا التصور قصير نظرٍ فالأتراك الذين صوتوا على التعديلات الدستورية يدركون تماماً أن الانتخابات المبكرة في شهر يونيو القادم ستكرّس دور بلادهم في المجموعة الاقتصادية الدولية التي تضمّ نادي الدول المتطورة اقتصادياً (مجموعة العشرين الاقتصادية) ويدركون أن الحرب على ليرتهم التركية هي حرب مؤقتة ستنتهي مع معركة الانتخابات وفوز قاطرة التطوير الاقتصادي والسياسي في البلاد والتي يمثلها كحركة واقعية حزب العدالة والتنمية وحلفائه .

لذلك يبدو أن من مصلحة أكراد تركيا انتخاب حزب العدالة وانتخاب رجب طيب أردوغان لأنه الجهة السياسية الوحيدة التي خرقت قاعدة التعامل مع قضية الأكراد في الداخل ولديها برنامج عملٍ لحلها . سيُخطئ الأكراد إذا ما تصرفوا بغير هذه الرؤية فهم فعلياً سيكونون قد صوّتوا لمصلحة قوى قومية وسياسية ترفض أن ترى وجودهم كفئة مكونة من فئات الشعب التركي . وهذه المصلحة تنسحب فعلياً على قواعد أحزاب سياسية أخرى لن تجد في إضعاف اندفاعة برنامج حزب العدالة والتنمية سوى خسارة لمصالحها الاقتصادية والسياسية .

وفق هذه الرؤية، نعتقد أن الناخب التركي يذهب إلى صندوق الانتخابات وفي ذهنه مصالح مستقبله، وتطوره، يذهب وهو يتلمس المنافع الكبرى التي حصل عليها اقتصادياً وعلمياً وسياسياً، وجعلت من بلاده قوةً اقتصاديةً منافسةً في السوق العالمية، يذهب دون الوقوع في شرك حربٍ نفسيةٍ، لا تقوم على أسس حقيقية غايتها الوحيدة وقف اندفاعة برنامج حزب العدالة والتنمية، لسبب العجز البنيوي في بناء هكذا برامج سياسية واقتصادية ثبُت بالملموس أنها بعيدة عن إدراك غالبية النخب السياسية، والتي يحاول بعضها تخويف الأتراك من ورقة اللاجئين السوريين في تركيا، رغم أن السوريين ووفق أرقام رسمية صادرة عن دوائر الدولة التركية يساهمون في عملية الانتاج الوطني في تركيا، ويوظفون رؤوس أموال في مشاريع مختلفة.

إذاً تركيا أمام مفترق طرقٍ تاريخي ، ونتائج انتخابات 24 يونيو ستحدّد من سيقود عربة السياسة التركية والاقتصاد التركيين، وفي أي اتجاه ستسير.