icon
التغطية الحية

هيئة تحرير الشام بعد القحطاني وزكور.. الاتجاه إلى التيار الواحد

2024.01.15 | 05:26 دمشق

هيئة تحرير الشام بعد القحطاني وزكور.. الاتجاه إلى التيار الواحد
هيئة تحرير الشام بعد القحطاني وزكور.. الاتجاه إلى التيار الواحد
إدلب ـ فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

بعد قضاء الجولاني على نفوذ قادة معظم الكتل داخل هيئة تحرير الشام، شهدت الهيئة في الأعوام الثلاثة الأخيرة حالة من الاستقرار النسبي بين كتلتي الشرقية وبنش أبرز الكتل المتبقية، ويبدو أن حالة الاستقرار هذه راقت للجولاني، الذي كان لا يريد تغلب إحداهما على الأخرى، فاستفراد كتلة واحدة بالنفوذ في الهيئة قد يطيح به فيما بعد.

وعرض الجزء الأول من السلسلة صراع التيارات في هيئة تحرير الشام (2018 - 2023)، وكيف تمكن الجولاني من تفكيك 5 كتل رئيسية داخل هيئته وتوزيع مقاتليها ضمن هيكلية عسكرية جديدة عنوانها "من الجيوش إلى الألوية".

بنيت حالة التوازن بين كتلتي الشرقية وبنش على تقاسم النفوذ والسيطرة داخل الهيئة، حيث تحالفت كتلة بنش مع أبو أحمد حدود، الشخصية الثانية في الهيئة بعد الجولاني، وعبدالرحيم عطون الشرعي العام للهيئة -منذ زمن جبهة النصرة حتى الوقت الحالي- الذي ينحدر من قرية طعوم المجاورة لبنش، وانضم إلى هذا التيار الشرعي والقاضي في محكمة سرمدا أبو ماجد شقيق الجولاني، وعلى الرغم من عدم تدخل الأخير في شؤون الهيئة الخارجة عن اختصاصه، إلا أن كونه شقيق الجولاني يعد مكسباً للتيار الذي يميل إليه، وأصبح التيار كله يحمل اسم "تيار بنش".

يمتلك هذا التيار التفوق المالي والاقتصادي، فهو يسيطر على معظم المفصل الاقتصادي إلى جانب معابر الهيئة كافة، الداخلية والخارجية، وله كتلة عسكرية جيدة العدد تتبع له، بقيادة حمزة بدوي "أبو حفص بنش" أمير لواء طلحة في الهيئة.

في المقابل تحالف أبو أحمد زكور مع أبو ماريا القحطاني (الخال) ومظهر الويس، في تيار الشرقية، الذي يمتلك التفوق في الجانب الأمني، حيث يسيطر أبناء الشرقية على معظم مفاصل جهاز الأمن العام التابع للهيئة، ويتبع للقحطاني عشرات الأمنيين أبرزهم حكيم الديري "ضياء الدين العمر" المتحدث الرسمي لجهاز الأمن العام، وأبو محجن الحسكاوي المسؤول الأمني العام لإدلب.

كما أقام القحطاني علاقات كبيرة مع كتلة حلفايا المتغلغلة داخل الجناح العسكري بقوة.

ومن أبرز ما يميز تيار الشرقية عن تيار بنش هو ظهور معظم قادته للعلن، وسبقهم الجهادي، والأرضية العشائرية الصلبة التي يرتكزون عليها، إلى جانب التكتل المناطقي الذي يعتبر التهجير والحاجة للتماسك أبرز عوامله، إضافة إلى الروابط العشائرية والقبلية بين أبناء المنطقة الشرقية.

انقلاب لم يكتمل

عمل كل طرف بشكل منفصل عن الآخر، فقد التفت القحطاني وزكور إلى ملف تطويع فصائل ريف حلب الشمالي، وتوسيع نفوذ الهيئة في المنطقة الخارجة عن سيطرتها، بينما انصرف تيار بنش للعمل الاقتصادي.

لكن ما لم يكن يعلمه الجولاني أن رفيق دربه القحطاني كان يبني إمارة داخل الفصيل، ويشتري الولاءات ويجند الأتباع، على الرغم من أنه لا يستلم أي منصب بشكل رسمي في الهيئة، حيث كانت إمارة دير الزور عام 2013 هي آخر منصب رسمي للقحطاني، والتي عزل منها بعد خلافات مع الجولاني بسبب اتهام الأخير من قبل القحطاني بالتقصير والتخاذل في إرسال المؤازرات لجبهة النصرة في المنطقة الشرقية في قتالها ضد تنظيم الدولة، مما تسبب بخسارة كامل المنطقة الشرقية لصالح التنظيم.

عندما وصل القحطاني إلى إدلب قادماً من درعا عام 2015، وكان قدومه لتنفيذ مشروع مع رفيق دربه زكور، ويتم المشروع بتشكيل "جيش الشرقية" من أبناء شمال شرقي سوريا لاستعادة مدنهم وقراهم من تنظيم داعش، وقالت مصادر مطلعة على المخطط لموقع تلفزيون سوريا إن التشكيل لو تحقق لكان ضمن تسمية "الجيش السوري الحر"، وفسر ذلك بأن معظم مقاتلي المنطقة هم من فصائل الجيش الحر ولأن البقية السلفية صدر عنها ردة فعل كبيرة بسبب ما شاهدوه من داعش، إلا أن مصدراً آخر قال إن الإيديولوجيا لم تكن السبب في انحياز التشكيل المخطط له للجيش الحر وإنما الغاية تقتصر على محاولات تلقي الدعم الدولي العسكري.

فشل مخطط "جيش الشرقية" ثم تصالح القحطاني والجولاني، إلا أن "الخال" بقي بلا منصب رسمي، حتى كُلف بملف محاربة خلايا تنظيم الدولة وهو ما عزز سلطته الأمنية، ثم تكليفه مؤخراً مع أبو أحمد زكور بإدارة ملف العلاقات مع فصائل شمال حلب، وعاد القحطاني إلى الدائرة المقربة من الجولاني بعد تقديمه الولاء، ونجاحه في ملف محاربة خلايا تنظيم الدولة، وإنهاء تنظيم "حراس الدين".

عدم تسلم القحطاني لأي منصب رسمي، وقربه من الجولاني، والنفوذ الممنوح له، أفسح أمامه المجال ومنحه الوقت والتفرغ لإقامة الزيارات إلى كافة مفاصل الهيئة، فمن البديهي أن لا يكون هناك سلطة لمسؤول عسكري على عمل أمني أو تجاري، ومن غير المقبول أن يتدخل مسؤول اقتصادي بعمل العسكر، لكن القحطاني بصفاته السابق ذكرها امتلك الحق في التقرب من الجميع، والتدخل في عمل الجميع، وأصبح يصدر قرارات أو يحل مشكلات أمنية أو اقتصادية بصفته الشخصية، كونه "الخال" أبو ماريا القيادي في الصف الأول في الهيئة.

على مدار أكثر من عامين جنّد القحطاني عشرات الأتباع في مختلف مفاصل الهيئة، واستخدم أساليب مختلفة سهلت له تجنيد عملاء مقربين من ألد خصومه ومنافسيه في الهيئة، واخترق صفوف تيار بنش، ووصل لمقربين من قادته، كمرافق حدود ونائب عطون، وعقد تحالفات متينة مع كتلة حلفايا، وجند عملاء لصالحه داخلها، وكسب ود المكتب السياسي للهيئة، والذي يديره أبناء الشرقية كـ زيد العطار (أبي عائشة) المنحدر من الحسكة ويوسف الهجر المنحدر من دير الزور، كما بنى علاقات مع فصائل شمال حلب.

تجنيد بالمخدرات والجنس

منذ تكشف أولى خيوط شبكة العملاء الكبيرة داخل هيئة تحرير الشام، ومتابعة موقع تلفزيون سوريا الدقيقة لتفاصيل القضية وتطوراتها ونقلها للعالم، كانت التساؤلات داخل الموقع قبل أذهان القراء تطرح، حول كيفية تجنيد كل هذا الكم من العملاء في صفوف جماعة جهادية ظلت متماسكة لأكثر من عشر سنوات رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها.

لم يكن غريباً تجنيد القحطاني رأس خلية العملاء لأتباعه، فهم يدينون له بالولاء أكثر من الجولاني، لكن إيجاد إجابات للأسئلة السابق ذكرها بات أكثر إلحاحا، مع تطور القضية وتكشف أسماء إضافية لشخصيات مرتبطة بالخلية، تتبع لأشخاص يمكن اعتبارهم أنداداً أو خصوماً القحطاني داخل الهيئة، كمرافق أبي أحمد حدود، وأحد مساعدي عطون، وغيرهم.

كشفت مصادر خاصة من داخل المفصل الأمني في هيئة تحرير الشام لموقع تلفزيون سوريا آلية تجنيد العملاء، بحسب ما توصلت إليه التحقيقات مع المعتقلين منهم، وبحسب المصادر فإن التحالف الدولي لا علم له بكل هذا العدد من العملاء، ولا علم لمعظم العملاء بعملهم لصالح التحالف الدولي، لكن نسبة لا بأس بها تعلم بعمالتها لجهات خارجية.

وبحسب المصادر فإن خلية القحطاني اتبعت "طريقة دنيئة في تجنيد الأفراد قسراً في صفوفها، خاصة ممن لا يدينون بالولاء للقحطاني، وتتمثل الطريقة بدعوة الفرد المستهدف والمراد تجنيده إلى مأدبة عشاء أو أمسية في أحد المنازل، وخلال الأمسية يتم وضع بعض الحبوب المخدرة له في شرابه، ومن بعد اختلال توازنه يتم إدخال امرأة عليه، ليقيم علاقة معها، ويتم تصويره في إصدار جنسي فاضح، ليتم ابتزازه فيما بعد وتجنيده لصالح خلية العملاء، خوفاً من الفضيحة والعار اللذين قد يلحقا به في حال نُشر الإصدار الخاص به على شبكة الإنترنت، خاصة أنه مجاهد أو مسؤول ذو مكانة في محيطه".

المصادر الأمنية أكدت لموقع تلفزيون سوريا أن هذه الطريقة كانت سبباً في تجنيد ما يزيد عن 80% من أفراد شبكة العملاء، وعلى إثر ذلك اعتقلت الأجهزة الأمنية النساء الضالعات في الأعمال غير الأخلاقية وتوصلت إلى شبكة من بيوت الدعارة، تنتشر في عدة مدن في الشمال السوري، تستهدف المدنيين والعسكريين على حد سواء، فيما لم تنتهِ التحقيقات حول ضلوع بيوت الدعارة في شبكة العمالة من عدمه.

وتمكن أمن الهيئة من الحصول على معظم نسخ الإصدارات الجنسية التي تحتفظ بها شبكة العمالة، ولا تتوقع أن يتم تسريب أي شيء إلى صفحات الإنترنت.

إلى جانب الجنس كان الحشيش والمخدرات سبباً في تجنيد بعض العملاء، بعد تحولهم إلى مدمنين وتصوير تعاطيهم وطلبهم الحصول على المواد المخدرة بأي ثمن.

في شق آخر علم موقع تلفزيون سوريا من مصادره أيضاً بأن هيئة تحرير الشام نفذت أحكام إعدام بحق مجموعة من أفراد شبكات العمالة الذين اعتقلتهم قبل عدة أشهر بعد انتهاء التحقيقات معهم وإثبات ضلوعهم بشكل كامل في العمالة، كما رصد موقع تلفزيون سوريا الإفراج عن فرد واحد من هيئة تحرير الشام بعد اعتقاله بتهمة العمالة قرابة 3 أشهر، وذلك بعد ثبوت براءته.

وصل القحطاني إلى مراحل متقدمة في التغلغل وبناء النفوذ داخل الهيئة، وكان يضع اللمسات الأخيرة أو ينتظر قراراً خارجياً لتنفيذ انقلابه.

لماذا لم تتحرك كتلة الشرقية؟

بعد اعتقال القحطاني، كانت مخاوف الجولاني كبيرة من حدوث انشقاق يقسم الهيئة إلى قسمين، لكنه سرعان ما عقد اجتماعاً مع أبرز قيادات كتلة الشرقية، ووجهاء المنطقة الشرقية، وعرض عليهم الأدلة التي تدين القحطاني في عمالته، مما منع حدوث الانشقاقات، خاصة بعد إعطاء الجولاني للمجتمعين معه تطمينات بتدخله لمنع تنفيذ حكم الإعدام بحق القحطاني في حال صدوره من الجهات القضائية.

أيضاً يرى مراقبون أن حب السلطة لدى بعض قيادات الشرقية دفعهم للبقاء في صف الهيئة، كونها الفصيل الأكبر، ولأن الخروج منها يعني تهجيرهم مجدداً خارج إدلب، مما دفعهم للتخلي عن القحطاني المدان في عدة قضايا، والبقاء في مركب الجولاني والهيئة.

وبحسب المراقبين فإن اعتقال القحطاني، وإدانته في ملف العمالة وتخطيطه للانقلاب على الجولاني وقضايا فساد مالي وإداري، كان بداية انفراط عقد تيار الشرقية، وتحول الهيئة نحو سلطة التيار الواحد "تيار بنش" وما يؤكد ذلك هو كلام مصادر موقع تلفزيون سوريا عن قيام ما يمكن وصفه بالانقلاب المضاد على تيار الشرقية الذي كان يعد زعيمه القحطاني للانقلاب على الجولاني، حيث تقول المصادر بأن تيار بنش الذي استلم خلية الأزمة بدأ بمرحلة تصفية خصومه، واعتقال الكثير من الشخصيات المحسوبة على تيار الشرقية، تحت تهم العمالة والتي باتت بحسب المصادر شماعة يمكن من خلالها اعتقال أي فرد، في ما يمكن وصفه بحالة الطوارئ.

مشكلة التيار الواحد

بالعودة إلى طبيعة كل من التيارين، فإن عدد من المتابعين لسياسات هيئة تحرير الشام يرون بأن اتجاه الهيئة نحو التيار الواحد المتمثل بتيار بنش لن يكون مبشراً للهيئة على عدة أصعدة.

فبعكس القحطاني الذي يتمتع بصفات كاريزمية قيادية، وعلاقات واسعة، وينحدر مع رفيقه زكور من بيئة عشائرية مجبولة على مخالطة الناس، وبناء العلاقات معهم، يعمل قيادات تيار بنش في الظل، لا يخالطون الكثير من الناس، ولا يجلسون في المجالس العامة، معتقدين أن سطوة المال والسلاح تحقق لهم كل شيء، ويعزز المتابعون كلامهم بأمثلة من الماضي، من بينها الصوتية المسربة للقيادي في تيار بنش المغيرة بدوي، وهو يتحدث عن الشيخ المحيسني قائلاً: الشرعي وظيفته في الهيئة مرقع، وإذا أراد أن يعمل عملاً آخر غير الترقيع فهو لا يلزمنا في الهيئة" وهو ما اعتبره كثيرون إهانة لرجال الدين والشرعيين في الهيئة.

أيضاً يضيف المتابعون أمثلة من الحملة الجارية، من بينها التهديدات التي وصلت للشيخ عبد الرزاق المهدي، بعد انتقاده الهيئة ومن ثم فراره من منزله، وحذف المنشورات التي حرّض فيها ضد الهيئة على قناته على تلغرام، قبل أن يزوره الشرعي العام للهيئة ويطمئنه بأن لا نية لاعتقاله، وأيضاً من بين التصرفات التي وصفها المتابعون لسياسات الهيئة بالطائشة والرعناء، كان اعتقال شيخ عشيرة البكارة - التي ينحدر منها زكور- أبو حسن "يوسف عربش" من مضافته في مدينة الدانا شمالي إدلب.

يلخص المتابعون نظرتهم بأن "من لا يُنزل الناس منازلهم، لن ينجح في الاستمرار"، وضربوا الأمثلة على فشل تيار بنش، وتحديداً فيما يتعلق بملف العلاقات مع فصائل الجيش الوطني شمالي حلب، فالتحالف الذي أسسه القحطاني وزكور مع قائدي فرقتي السلطان سليمان شاه (أبو عمشة) والحمزة (سيف بولاد) وتقوقع الفرقتين في منطقة عفرين تحت مسمى القوة المشتركة؛ بدأ يشهد انعطافة حادة منذ أن أنقذت قوة من الفرقتين زكور وهو مقتاد ومكبل داخل سيارات أمن الهيئة بعد مداهمة مقره واعتقاله في مدينة اعزاز.