icon
التغطية الحية

مسلسل "الغريب".. اقتباس مشوّه عن المسلسل الأميركي "Your Honor"

2023.10.05 | 18:20 دمشق

بسام كوسا في مسلسل الغريب
بسام كوسا في مسلسل الغريب
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

يستند المسلسل اللبناني - السوري "الغريب" للمخرجة صوفي بطرس عن سيناريو مشترك للكاتبتين لانا الجندي ولبنى حداد إلى قصة المسلسل الأميركي المرشح لجائزة بافتا "فخامتك  (Your Honor)، على الرغم من عدم تطرق صُناع "الغريب" إلى هذا التفصيل، وقد يكون ذلك بسبب إضافة شخصيات أخرى للقصة بدافع التمايز عن النسخة الأميركية، ولربما هو الدافع لعدم ذكر ذلك. لكن في زمن أصبحت خدمات البث التدفقي ركنا أساسيا من صناعة الدراما في العالم العربي، فإنه لم يعد خافياً على الجمهور مثل هذه التفاصيل التي تساهم في نجاح أو فشل أي عمل تلفزيوني جديد.

تقدم الحلقات الأربع الأولى لـ"الغريب" الذي انتهى عرضه على منصة شاهد نت تسلسلاً سريعاً للأحداث التي تدور حول عائلة يوسف مير علم (بسام كوسا)، وهو قاضٍ نزيه يجد نفسه أمام أزمة أخلاقية تفرض عليه مواجهة مبادئه لحماية ابنه رامي (آدم الشامي)، بعد تورطه بجريمة قتل عن غير قصد، لكن هذه الجريمة تتحوّل إلى سلسلة جرائم ترتكبها جميع أفراد العائلة، بما فيهم الزوجة لمى (فرح بسيسو)، وابنتهم علا (ساندي نحاس)، وعلى عكس الجريمة الأولى غير المقصودة، فإن الجرائم المرتكبة مبررها المباشر الدفاع عن النفس وحماية العائلة، وغير المباشر خيانة الأصدقاء، وتخليهم عن مساعدة يوسف في محنته ما يفرض عليه اللجوء إلى خيارات غير قانونية، تبدأ لحظة خروجه من سوريا إلى لبنان بطريقة غير شرعية (تهريب)، وبالتدريج يجد يوسف نفسه يعيش حياة غير نزيهة، وبعيدة عن مبادئه التي حاول الحفاظ عليها طيلة مسيرته المهنية.

مسلسل الغريب يسبر دهاليز القضاء

يحاول المسلسل المكوّن من 12 حلقة أن يقدم نظرة غير مباشرة على طبيعة العلاقات بين القضاة والمحامين، وسهولة صناعة الأعداء في السلك القضائي، وكيف أن القضاء ولا حتى القانون بالأساس يستطيع حماية القضاة النزيهين، وهذا ما حصل مع يوسف عندما تخلى عنه الجميع خوفاً من أبو إيهاب، والد الشاب الضحية، والواضح أن أبو إيهاب – الذي نعرفه بالاسم فقط – شخصية نافذة في سوريا يخاف الجميع من انتقامه. وبينما يكون يوسف في حيرة من أمره لمعالجة الموقف قانونياً، يتصل به صديقه فاروق (جمال قبش) الذي لديه خلاف كبير مع يوسف بسبب قضية سابقة، وينتهز فرصة للانتقام منه، لكنه في الاتصال يقترح تقديم المساعدة لإخراجه من هذا المأزق، ويساعده على الهروب إلى لبنان من أجل بداية حياة جديدة، وهنا تبدأ القصة بأخذ منحى مختلف تماماً، وتقدم سيناريوهات عشوائية غير مترابطة، لا تخدم عنصري الإثارة والتشويق في المسلسل، وللصراحة قلة من طاقم التمثيل، بما فيهم جوكر الدراما السورية بسام كوسا، حاولوا قدر الإمكان إنقاذ المسلسل، لكنها لم تكن كافية لإقناع الجمهور.

عندما تصل عائلة مير علم إلى بيروت يكون في انتظارها خليل (سعيد سرحان)، شاب لبناني شبيح بكل ما تمثله الكلمة من معنى محمي من البيروتي (محمد عقيل)، والأخير يقدم نفسه على أنه رجل أعمال، لكنه في حقيقة الأمر متهم بقضية اختلاس أموال، ويمارس أعمال الترهيب المعروفة في عالم الجريمة المنظمة، منها عمله في غسيل الأموال، هو زعيم عصابة من الطراز الكلاسيكي. يتعامل خليل مع العائلة بمنطق تشبيحي، ويمارس على الجميع كل ما يخطر على البال من أفعال التنمّر والبلطجة، حتى حبيبته مريم (جوي حلاق) لم تنجُ من التعنيف والذكّورية الشرقية التي يتّسم بها.

المأزق الذي تواجهه عائلة مير علم يجعلهم على تماس مباشر معه بعد استقرارهم في منزل في أحد أحياء بيروت العشوائية طالما أنه ما في اليد حيلة أو وسيلة نجاة أخرى. يقود هذا الاستقرار إلى نشوء علاقة عاطفية بين رامي ومريم، مثلما يقود علا إلى اللقاء الأول مع زاهي (ربيع أحمر)، وتشاء المصادفة والأقدار أنه ابن البيروتي، لكنه على عكس والده، يتم تقديمه كشاب عصامي على خلاف كبير مع والده بسبب نوعية الأعمال التي يمارسها، كل هذه الشخصيات أفقدت المسلسل ديناميكيته، وجعلته بعيداً عن المسار الدرامي الذي جذب الجمهور في الحلقات الأولى، وفي الأساس هي متوقعة من الجمهور ما يزيل عنها عنصر المفاجأة.

كيف كان أداء الممثلين؟

يقدم بسام كوسا في المسلسل شخصية هادئة ومتوازنة حتى في أصعب المواقف، وهو على استعداد لتقديم التنازلات، والتضحية بمنصبه في مقابل إنقاذ العائلة لدرجة تجعله يقبل أن يكون وسيطاً للبيروتي في عمليات تسليم الأموال المغسولة، يؤدي كوسا شخصية يوسف بإتقان رائع، كما تعودنا عليه في الأعمال السابقة. ومثله فرح بسيسو تقدم شخصية أم تريد حماية عائلتها، ومساعدة زوجها في تأمين مصاريف الحياة اليومية بالعمل طباخة في منازل المسؤولين ورجال الأعمال اللبنانيين، وأجاد سعيد سرحان تقديم دور الشبيح أو  "الأزعر" دون تكّلف أو تصنّع، وأرى أنه الوحيد بين طاقم التمثيل الشاب الذي قدم شخصيته بصورة واقعية ومقنعة، وأثبت أنه استطاع الخروج من شخصية علي شيخ الجبل في "الهيبة".

وفي مقابل هذا الأداء لم يكن كل من آدم الشامي وساندي نحاس مقنعيّن في شخصيتهما، كان هناك تفاوت لدرجة كبيرة في الأداء، هذا الأداء التمثيلي الذي يمكن وصفه بأنه أقل من المتوسط سببه التباين صعوداً وهبوطاً في تصوير المشاعر العاطفية، وتكرار الانفعالات في كل مشهد، إذا إن الكثير من المشاهد التي كانت تتطلب تفاعلاً أكثر إقناعاً لتناسب طبيعة الأحداث، إلا أنها مع الأسف ظهرت باردة وفاترة، نفس الانفعالات في كل مشهد، والاختلاف الوحيد فقط في الحوارات. ومثلهما محمد عقيل الذي لا يزال عالقاً في دور الشايب في سلسلة "الهيبة"، هذا لا يعني أن عقيل لم ينجح في تقديم شخصية الشايب، بل على العكس قدم أداءً رائعاً يتناسب مع طبيعة الشخصية، لكن لا يمكن إعادة تمثيلها بشخصية وحوارات مختلفة في كل عمل درامي. 

وإضافة إلى ذلك، فإن "الغريب" منذ الحلقة الخامسة تبدأ قصته بأخذ منحى مختلف بإضافة العديد من الشخصيات لإضفاء صفة المسلسل المشترك عليه، وهو العقبة ذاتها التي تصطدم بها الدراما المشتركة كل مرة، منها على سبيل المثال لا الحصر "النار بالنار". قد يكون هذا المسار سببه دافع التمايز عن النسخة الأميركية "Your Honor"، وهي بالأساس مقتبسة عن المسلسل العبري "كفودو"، وكلاهما عرضا لأول مرة في 2020، لكن هذا التمايز سبب إرباكاً وضعفاً في بنية الحبكة الدرامية التي ورطت جميع أفراد العائلة – باستثناء القاضي يوسف – بجرائم قتل للدفاع عن النفس، حتى لمى نفسها حاولت تسميم وزير لبناني لحماية عائلتها المختطفة لدى البيروتي، وفي كل هذه الجرائم ومحاولات الاغتيال يغيب رجال الشرطة عن المشهد، ما عدا محاولة تسميم الوزير.

واحد من الأسباب التي أضعفت القصة شخصية رامي، فهو في كل مرة يقحم عائلته في مأزق جديد، من بينها نشوء علاقة عاطفية بشكل سريع، وغير مفهوم مع مريم، وحين يكتشف شقيقها أنها تواعده في شقة فيفيان (سلمى الشلبي) يكون الرد حاضراً بالزواج منها، وكذلك العلاقة التي نشأت سريعاً بين علا وزاهي، قد يظن البعض أن السبب نسيان ما حدث معها في دمشق بعد فسخ خطوبتها بسبب جريمة شقيقها، ومحاولة العائلة بدء حياة جديدة في بيروت، أو إضفاء عنصر الرومانسية على المسلسل، لكن هذا الخيار لم يكن صائباً، لأن النتيجة – كما ذكرنا – معروفة مسبقاً. لدينا أيضاً واحد من المشاهد المكررة في الأعمال الدرامية المشتركة، والقصد هنا مشهد اختبار يوسف عندما يقوم البيروتي بإرسال رجاله لاختطافه على أساس أنهم رجال أمن، ليكتشف بعد ذلك أنه ضحية خدعة ساذجة من البيروتي يريد منها اختبار عدم خيانته. هذه عينة من بين مجموعة محاور للقصة تجعل "الغريب" عملا دراميا مقتبسا عن مجموعة أعمال درامية مشتركة عرضت خلال السنوات الماضية.

جردة سريعة على الأعمال الدرامية المشتركة

إذا أجرينا جردة سريعة على الأعمال المشتركة نجد أنها جميعها تدور في مواضيع متشابهة، وأصبحت معروفة للجمهور، بما فيها الفساد، الخيانة، القتل، رجال العصابات، الجريمة المنظمة، غياب القانون والخروج عنه، هي قصص لا تقدم أي جديد أو إضافة للإنتاج الدرامي المشترك. هناك الكثير من المشاهد لو أُعيدت صياغتها برؤية مختلفة كان يمكنها أن تقدم نصاً متوازناً ومقنعاً، لكن في ظل تحوّل شركات الإنتاج إلى الاقتباس من الأعمال التركية والغربية، ومحاولة السيطرة على مكنة الإنتاج الدرامي المشترك في ظل احتدام السوق التنافسية في المنطقة علينا عدم توقّع أعمال متميزة، والحقيقة حتى الآن أجد من ضمن ما شاهدت من أعمال درامية، أن المسلسل  السعودي – اللبناني – السوري "سفر برلك"، والمسلسل المصري "الوصاية"، هما من أنجح المسلسلات التي عرضت على منصة شاهد خلال العام الجاري.

في النهاية، ما يمكننا استخلاصه من مسلسل "الغريب" أنه حاول تقديم عمل يركّز على دور الأب في حماية العائلة مهما بلغ ثمن التضحية، وكثرة الأعداء غير المرئيين الذين ينتظرون أول فرصة للانتقام من القضاة النزيهين، وكيف أن القضاة النزيهين حتى القانون لا يستطيع حمايتهم رغم سمعتهم الحسنة في السلك القضائي، هناك الكثير من التأويلات التي يمكننا ذكرها، والكثير من القضايا التي كان يمكن للمسلسل أن يتعمق بها، لكن يبدو أن استسهال الاقتباس عن الأعمال غير العربية كان السبب في عدم إقناع "الغريب" للجمهور، والتي وصلت إلى عنوان المسلسل المتكرر في الكثير من الأعمال العربية وغير العربية التي عرضت سابقاً.