كيف كافئ الاتحاد الأوروبي السيسي مقابل منع الهجرة من مصر؟

وقع الاتحاد الأوروبي خلال الصيف الماضي اتفاقية هجرة ومساعدات بلغت قيمتها 7.4 مليارات يورو وأثارت جدلاً كبيراً وذلك لأنها تنص على "منع مراكب المهاجرين من الإبحار" وتخفيض عدد عمليات العبور التي يقوم بها مهاجرون عبر البحر المتوسط.

عقدت في القاهرة محادثات أجراها مع الرئيس المصري السيسي وفد "فريق أوروبا" الذي تترأسه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، وجورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا وكذلك قادة اليونان وبلجيكا والنمسا وقبرص.

وشملت الحزمة الأوروبية مبلغاً قدره خمسة مليارات يورو من القروض الميسرة، ومبلغاً يعادل 1.8 مليار يورو تأتي على شكل استثمارات، ومبلغاً قدره 600 مليون يورو يقدم كمنح، ومن ضمنه مبلغ يعادل 200 مليون دولار بهدف محاربة الهجرة بشكل مباشر، إلا أن هذه الحزمة تعرضت لانتقادات واسعة بوصفها مكافأة لنظام السيسي الديكتاتوري القمعي.

هذا ولقد أشادت فون دير لين بما وصفته بالمنعطف التاريخي والشراكة الاستراتيجية الشاملة القائمة على الدور الجيوستراتيجي الفريد والحيوي لمصر بوصفها أحد أعمدة الأمن والاعتدال والسلام في منطقة البحر المتوسط والشرق الأدنى وأفريقيا.

وأضافت: "سنواصل التعويل على مصر والتزامها الكامل بالسيطرة على الهجرة غير الشرعية بدءاً من إدارة الحدود وصولاً إلى مكافحة التهريب وإعادة المهاجرين".

فيما قال السيسي: "تناولت المباحثات أهمية المواصلة في مواجهة التحديات المشتركة ويأتي على رأسها الهجرة غير النظامية".

تعاني مصر من أزمة اقتصادية تتمثل بارتفاع نسبة التضخم لأكثر من 30% سنوياً، كما يؤوي هذا البلد تسعة ملايين مهاجر ولاجئ بينهم أربعة ملايين سوداني ومليون ونصف سوري وأعداد متزايدة من الفلسطينيين الفارين عبر الحدود مع غزة.

وفي الوقت الذي تمكنت فيه مصر من الحد من عدد القوارب التي تبحر من سواحلها لتعبر المتوسط، صار أغلب المهاجرين اليوم يعبرون الحدود إلى ليبيا قبل أن يصعدوا على متن قارب يأخذهم إلى إيطاليا واليونان، ومنهما يسافرون إلى الشمال نحو دول الاتحاد الأوروبي الأكثر ترفاً.

تعتبر طرق البحر المتوسط نقاط العبور الرئيسية بالنسبة للهجرة غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي الذي شهد خلال هذه الفترة نسباً لم يشهدها منذ عام 2016، وذلك مع وصول 13465 مهاجراً إلى الاتحاد الأوروبي قدموا من أفغانستان وسوريا ومصر وبنغلاديش وتونس وذلك حتى تاريخ اليوم من هذا العام.

زلزال سياسي قادم

تظهر استطلاعات الرأي بأن الانتخابات التي ستجري في الاتحاد الأوروبي خلال شهر حزيران المقبل قد تحمل معها زلزالاً سياسياً مع ظهور موجة دعم وتأييد كبيرة للأحزاب الشعبوية والقومية واليمينية المتطرفة وهذا ما يعرض المحافظين الوسطيين من أمثال فون دير لين لضغط كبير.

وبحسب مفوضية اللاجئين الأممية، فإن قرابة 450 ألف سوداني قد وصلوا إلى مصر خلال العام الفائت ويخشى من موجة نزوح جماعي أخرى للفلسطينيين الهاربين من غزة ناهيك عن الاضطراب الاقتصادي الذي يدفع المصريين إلى أن يمموا وجوههم شطر أوروبا.

خصصت المنحة الأوروبية الأخيرة التي تعادل 200 مليون يورو لمحاربة التهريب والإتجار بالبشر، بهدف تعزيز إدارة الحدود وضمان عودة كريمة ودائمة للمهاجرين مع إعادة دمجهم بحسب ما أعلنه الاتحاد الأوروبي.

مكافأة السيسي

بيد أن السيسي الذي وصل نظامه العسكري إلى السلطة بعد قتل المعارضين والمهاجرين والتنكيل بهم وحبسهم أصبح شريان الحياة الذي يغذي نظام حكمه عرضة للنقد اللاذع في أوروبا، مما قد يهدد بقطعه أيضاً في حال تصويت أعضاء البرلمان الأوروبي ضده.

فلقد هاجمت منظمة هيومان رايتس ووتش الاتحاد الأوروبي على مكافأته للسيسي بالمال مقابل ضبطه للهجرة في وقت اشتد فيه القمع في مصر، كما وردت تقارير تحدثت عن طرد جماعي للسودانيين من جنوبي مصر.

وعن ذلك يعلق كلاوديو فرانكافيللا الناطق الرسمي باسم مجموعة الضغط في الاتحاد الأوروبي، فيقول: "كوفئ القمع المريع اليوم بدعم جديد من الاتحاد الأوروبي شمل تمويلاً من المرجح أن يدعم وبشكل مباشر عمليات القمع ضد المهاجرين".

أما في إيطاليا، فقد هاجمت المعارضة ميلوني بسبب جريمة جوليو ريجيني وهو طالب إيطالي تعرض للخطف والتعذيب ثم قتل على يد قوات الأمن المصرية في عام 2016، وتعليقاً على ذلك تقول زعيمة الحزب الديمقراطي بإيطاليا، إيلي شلاين: "إن الحكومة المصرية لا تحترم حقوق الإنسان ولطالما عرقلت مسار العدالة بالنسبة لمقتل جوليو ريجيني وتعذيبه".

"مهما كلف الأمر"

في مؤتمر صحفي طالب كل من الوفد الأوروبي ومصر بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة مع دعوة إسرائيل لعدم شن أي هجوم بري على رفح، وفي رفض أبدته فون دير لين لمخططات إسرائيل الساعية لإرسال قوات برية إلى مدينة رفح الواقعة جنوبي غزة، قالت: "تواجه غزة اليوم مجاعة ولا يمكن أن نقبل بهذا، إذ من الضروري التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بسرعة اليوم مع تحرير الرهائن والسماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، أي أنه لابد من تجنب كل ذلك مهما كلف الأمر".

المصدر: The Times