رفح تحيي التسوية.. الأسد خارج التاريخ وحماس خارج السلطة

2024.05.10 | 06:26 دمشق

46555555555555555555
+A
حجم الخط
-A

لم يكن مستغرباً من رئيس حكومة الحرب الفاشية بنيامين نتنياهو أن يجمع بين إحياء ذكرى الهولوكوست في متحف "ياد فاشيم"، وبين إعلان رفضه على الدخول في مرحلة الهدنة التي وافقت عليها حماس، وتصميمه المعهود على اجتياح مدينة رفح وارتكاب مجزرة جديدة ستنضم إلى سلسلة جرائمه ولن تكون أقل من إعلان أن المحرقة تُستعاد هذه الأيام لكن بأيدي أحفاد الضحايا المتحولين إلى جلادين ومجرمي حرب.

ولقد بات ثابتاً ومعروفاً أن اجتياح رفح ظل أحد الخيارات القصوى أمام نتنياهو لإدامة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وتأجيل انهيار ائتلافه اليميني الأكثر تطرفاً إذا ما توقفت الحرب، والهروب إلى الأمام من استحقاقات عقابية في القضاء والتلويح الجدي بانتخابات تشريعية مبكرة ستقوده إلى السجن.

كذلك ظل هذا الخيار أداة ابتزاز يستخدمها نتنياهو كلما أراد الإتيان بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتقديم تنازل هنا أو التراجع عن ضغط هناك، ولا فرق يعول عليه إزاء أي اعتراض جدي لإدارة بايدن المنهمكة باستحقاقاتها الداخلية والتي بات أبرزها الحراك الطلابي التاريخي، بما يدل على أن نتنياهو غير مكترث حتى باطلاع بايدن شخصياً على القرار والتوقيت، وخاصة أن وزير دفاعه هو من تولى مهمة إبلاغ وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين.

وليس خفياً أن اختيار حركة حماس للحظة موافقتها على اقتراح الوسيطين القطري والمصري، واطلاعها المسبق أن مدير المخابرات الأميركية وليام بيرنز قد أبلغ قبيل ذلك اقتناع إدارته بالنسخة الأخيرة للحل، ما فتح الباب على وضع نتنياهو في عنق الزجاجة، فلا هو قادر على وقف المعركة والسماح بانحسار دوره في المشهد، ولا هو قادر على حشر بايدن وكل حلفائه الغربيين أمام استحقاقات مرتقبة.

الأكيد أن بشار الأسد والذي خرج منذ أيام للمزايدة على المعارضة السورية، أرسل إشارات عبر المخابرات الرومانية ووزير خارجية تشيك أنه متحمس للتحاور مع الأميركيين وعقد اتفاق سلام مع إسرائيل بضمانة روسية.

 

وثمة اقتناع أن هذه اللحظة المفصلية بتاريخ المعركة ستكبد الجانب الإسرائيلي خسائر كبرى في الأرواح والمعنويات، وستكرس انتصاراً معنوياً لحركة حماس في المشهد الإقليمي ستترجم في بقاء الحركة جزءاً رئيسياً في قيادة المشروع الفلسطيني، وخاصة أن حماس ذهبت بعيداً في تبني خطاب "براغماتي" بارع عبر حديث قادتها عن قبولها بحل الدولتين والتحول لتيار سياسي في ظل دولة على حدود الـ67.

من هنا يمكن تسجيل مجموعة من النقاط في ظل ما يعتبر دخول مرحلة انتهاء الحرب وتكريس وقائع جديدة في الصراع الدائر في المنطقة:

أولاً: إن جهود الوساطة كرست قطر ومصر طرفين رئيسيين في إدارة الصراع وخفض التصعيد وخاصة أن عدة أطراف سعت لسحب هذه الورقة الرئيسية من قطر ومصر وتحديداً الإمارات والتي عملت ماكيناتها الإعلامية ومجموعات الضغط المحسوبة عليها في الولايات المتحدة على التهويل من الدور القطري والتحضير لمرحلة ما بعد حركة حماس، لكن هذه المحاولات سقطت أمام الصمود الدبلوماسي المشترك وتكريس سقف عالٍ من المواقف السياسية في ظل كل حملات الابتزاز.

ثانياً: بدا جلياً الغياب السعودي عن الملف في غزة، وعلى الرغم من أن نتنياهو سعى بكل قدرته على إشراك الرياض في ملف مستقبل غزة، أولاً لدفعها للتطبيع من بوابة القطاع، والسعودية التي نأت بنفسها عن الملف وتركت الأمر بعهدة قطر ومصر وبقيت تراقب مع تركيا المسارات التفاوضية، حيث إن الرياض كانت قد أبلغت وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أن المملكة معنية بالملف إذا جرى توافق دولي وإقليمي على حل شامل، وهذا الحل بالنسبة للرياض بات مرتبطاً بمؤتمر دولي للسلام يدفع إسرائيل وحماس للقبول بصيغ جديدة ويعيد بناء الدولة الفلسطينية، وأن هذه المؤتمر هو شرط رئيسي لمشاركتها بمؤتمر آخر لإعادة الإعمار ودون ذلك ستبقى على انكفائها.

الجميع بات متفقاً على إبعاد إيران عن الملف الفلسطيني مهما كان الثمن.

ثالثاً: على الرغم من كل الضجيج الكلامي لرئيس النظام السوري بشار الأسد، يروج نظامه عبر أدوات المخابرات والدبلوماسية الهشة أن النظام متباعد عن إيران في المعركة الحاصلة وهو لم ينخرط بالصراع لأسباب يروج أنها للتقارب بشكل أكبر مع العرب، والأكيد أن الأسد والذي خرج منذ أيام للمزايدة على المعارضة السورية، أرسل إشارات عبر المخابرات الرومانية ووزير خارجية تشيك أنه متحمس للتحاور مع الأميركيين.

وتخفيض حضور إيران والذهاب لاتفاق سلام مع إسرائيل تضمنه روسيا أيضاً، فيما الجميع لم يقدم أجوبة للأسد على هذه العروض على اعتبار أنه قد يخرج من التاريخ في أي لحظة تسوية تشمل سوريا.

رابعاً: ثمة موقف رئيسي يتردد في كواليس حماس، وهذا الموقف يشي بقرار الحركة بالانكفاء عن الإدارة والسلطة لغزة، مع الإبقاء على هامش الحضور الوطني عبر الانخراط بأي عملية استنهاض وإصلاح لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا الإطار الذي قد تضع حماس نفسها به يكرس نظرية "نتحكم ولا نحكم" أي الدفع باتجاه حكومات تكنوقراط تدير الواقع بأقل الأضرار وتحفظ مشروعية الإبقاء على المقاومة وبناها التحتية المتبقية بعد كل هذه التضحيات الجسيمة التي أبرزتها الحركة في طوفان الأقصى.

في النهاية معركة رفح بكل سياقاتها كانت ستحصل مهما كانت العروض المقدمة لطرفي القتال، وعلى الرغم من أن أكلافها قد تكون مرعبة، لكنها البوابة الرئيسية للدخول في مرحلة بناء الحلول متوسطة المدى في الصراع العربي – الإسرائيلي، هذا إذا ما أغفلنا المسعى الإيراني لإبقاء الوجود في اللعبة والعبث بتفاصيلها لحجز مقعد، لكن الأكيد أن الجميع بات متفقاً على إبعاد إيران عن الملف الفلسطيني مهما كان الثمن.