تمايزت صفوف الفصائل العسكرية وتصلبت حالتها السائلة تحت تأثير المتغيرات المحلية والخارجية التي أفرزت للشمال السوري بعد ما يقارب العشر سنوات فصيلان لا ينازعهما أحد هما هيئة تحرير الشام في إدلب و"عزم" في ريف حلب الشمالي، يقودهما رجلان تمكنا من النجاة بفصيليهما واجتياز كل العقبات والتهديدات التي لم تنج منها بقية الفصائل العسكرية.
يمضي أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام بخطواته نحو الشكل الجديد المطلوب، بثقة لا تترك مجالاً للشك ببقاء الرجل وفصيله بشكل أو بآخر، وفي الضفة المقابلة ما زال مهند الخلف الملقب بـ "أبو أحمد نور" يتربع على قيادة الجبهة الشامية ومن بعدها الفيلق الثالث ثم غرفة القيادة الموحدة "عزم" وأخيراً قائد الاندماج الجديد داخل الفيلق الثالث مع 5 فصائل أخرى.
وبنظرة عامة للمشهد الفصائلي العسكري في الشمال السوري، وبناء على التطورات المتسارعة للتنظيم الفصائلي في الجيش الوطني وما تم تسريبه من لقاءات سرية بين هيئة تحرير الشام والجيش الوطني، يمكن القول إن مشروعاً للشمال السوري تتوضح معالمه.
وأعلنت "عزم" يوم الإثنين الفائت اندماج الجبهة الشامية، وجيش الإسلام، وفيلق المجد، والفرقة 15 وفرقة ملكشاه ولواء السلام، اندماجاً كاملاً، دون إطلاق تسمية للتشكيل الجديد.
#غرفة_القيادة_الموحدة#عزم
— غرفة القيادة الموحدة "عزم" (@UniLeadership) October 18, 2021
البيان رقم: 20https://t.co/BdIrvZlFrU pic.twitter.com/tjOaijUmVn
وأكدت مصادر عسكرية من "عزم" أنه تم الاتفاق على "أبو أحمد نور" (قائد الجبهة الشامية وقائد عزم) قائداً للاندماج الجديد، ونائبه عصام بويضاني قائد جيش الإسلام.
ولم يكن "الفيلق الثالث" أولى الاندماجات في "عزم"، ففي الأول من تشرين الأول أعلنت كل من "فرقة السلطان مراد"، و"فيلق الشام - قطاع الشمال"، و"ثوار الشام" و"فرقة المنتصر بالله"، و"الفرقة الأولى" عن الاندماج تحت اسم "حركة ثائرون".
وبالتالي يمكن القول إن غرفة "عزم" تتألف الآن من كتلتين مندمجتين هما "ثائرون" والفصائل المندمجة مؤخراً.
ما مدى متانة الاندماج الجديد؟ وما دوافعه؟
تحدث موقع تلفزيون سوريا مع 5 مصادر عسكرية من "عزم" لتوضيح الدوافع وراء الاندماج الجديد ومدى صلابته.
ويأتي هذا الاندماج الذي وصفته المصادر بـ "الحقيقي والمدروس" بعد الاستفادة من مجمل تجارب الاندماجات السابقة بين الفصائل العسكرية.
أما دوافعه فأهمها:
- استشعار الخطر المحدق على الثورة السورية بعد التخلي الدولي
- الخلاف التركي مع روسيا والولايات المتحدة وإيران ما يهدد حالة التفاهمات الدولية التي جنبت مناطق سيطرة الجيش الوطني الهجمات العسكرية منذ انطلاق عملية "درع الفرات"، ولذلك اتفق المندمجون على ضرورة تعزيز القوة العسكرية.
- الاستفادة من الموارد البشرية والمادية استفادة كاملة من خلال التنسيق العسكري، ما يخفف من الأعباء المالية والاستنزاف البشري في خطوط المواجهة الممتدة من إدلب وحتى مدينة الباب.
- الحالة الأمنية المتردية التي لا يمكن البدء بضبطها إلا بتوحيد كل المكاتب الأمنية وتوحيد شبكة المعلومات المتوفرة لدى كل فصيل.
- ملاحظة وجود "زعزعة في عقيدة المقاتل بسبب تأثيرات الوضع القائم"، والتي ستتفاقم إن لم تكن هنالك خطوات جدية.
- ضعف الإمكانيات العسكرية لدى جميع الفصائل وتحديداً بعد إغلاق مشروع الدعم عبر غرفة "الموم" وكذلك ضعف التمويل التركي وواردات المعابر.
وشكلت "عزم" مكتباً عسكرياً واحداً ومكتباً أمنياً واحداً وعينت على رأس المكتبين قائدين ذوي خبرة لكن طلبت المصادر عدم الكشف عن هويتهما في الوقت الحالي.
وبالنظر إلى خريطة السيطرة الفصائلية في ريفي حلب الشمالي والشرقي يمكن القول إن غرفة "عزم" تمتد على كامل المنطقة من عفرين وحتى الباب.
وبحسب المصادر، ترى "عزم" نفسها "صاحبة مشروع متكامل ليس على غرار الجبهة السورية للتحرير التي لا تتعدى كونها فصيلاً عسكرياً".
جيش الإسلام وهيئة تحرير الشام
أشار مراقبون إلى أن اندماج الجبهة الشامية وجيش الإسلام مع الفصائل الأخرى يعني نهاية التنسيق القائم من أشهر بين الجبهة الشامية وهيئة تحرير الشام، وزاد من هذه القناعة الملاسنة التي أشعلتها تغريدة الشرعي في جيش الإسلام عبد الرحمن كعكة ضد الجولاني ورد القيادي في الهيئة أبو ماريا القحطاني عليه.
أكد مصدر عسكري لموقع تلفزيون سوريا أن قيادة جيش الإسلام وقبل انضمامها للفيلق الثالث التي تقوده الجبهة الشامية طالبت بتوضيح العلاقة بين الفيلق والهيئة، وبعد نقاشات وجدالات وافق جيش الإسلام بالانضمام للفيلق الثالث، بعد أن اقتنع البويضاني بفكرة أن التعامل مع هيئة الجولاني يكون من باب المصلحة العامة. فهيئة تحرير الشام فرضت نفسها كلاعب قوي في إدلب بعد القضاء على بقية الفصائل ولا يبدو أن تركيا تمانع وجودها في الوقت الحالي إلى جانب التغيرات في الخطاب والتصرفات.
وأكدت المصادر أن التعامل مع هيئة تحرير الشام حالياً لا يتعدى الجانب الأمني، وذلك لضرورات ضبط خلايا التنظيم و"قسد" التي تتنقل بين المنطقتين.
وفي حال فرضت التطورات مزيداً من التنسيق أو ما هو أبعد من ذلك، فيحال القرار للتصويت في مجلس قيادة الفيلق الثالث بعد طرحه على مجلس الشورى، ويمتلك جيش الإسلام في مجلس القيادة 5 أصوات من أصل 35 صوتاً و7 في الشورى، وهي أصوات نسبتها قليلة لا يستطيع فيها "جيش الإسلام" التأثير على القرار كثيراً.
وتمتلك الجبهة الشامية العدد الأكبر من الأصوات في حين تتراوح أعداد أصوات باقي الفصائل بين صوت و3 أصوات في مجلس القيادة.
وأشار مصدر إلى أن الشخصيات القيادية في "عزم" لها تأثيرها على جيش الإسلام لإقناعه بالقرارات ولذلك لن يكون بالضرورة إحالتها كل مرة للتصويت في مجلس القيادة، وهو ما حصل عندما قبل جيش الإسلام بقرار التعامل الأمني لعزم مع هيئة تحرير الشام.
وتنظر قيادة "عزم" إلى أن وجود هيئة تحرير الشام بشكلها الحالي رغم التغيرات الأخيرة، ما زال تهديداً لإدلب وشماعة روسية بتجديد هجومها على المنطقة بحجة عدم تطبيق اتفاق سوتشي 5 آذار، في حين تصر تركيا على موقفها في المفاوضات مع موسكو على أن تحل التنظيمات المصنفة إرهابياً في إدلب بطريقة غير عسكرية لتجنيب المنطقة تداعيات ذلك عسكرياً وأمنياً، فأي انتكاسة عسكرية أو أمنية في إدلب سترتد على مناطق سيطرة الجيش الوطني قطعاً.
ولا بد هنا من التذكير بأن هيئة تحرير الشام أخذت على عاتقها القضاء على التنظيمات الأكثر تطرفاً مثل خلايا تنظيم الدولة وتنظيم حراس الدين وغيره من الكتائب الجهادية الأصغر.
ولذلك لا يمكن حل المعضلة القائمة إلا باندماج لكامل الفصائل العسكرية تذوب بداخله هيئة تحرير الشام، وهو ما سنناقشه لاحقاً في هذا التقرير.
أبو أحمد نور (مهند الخلف) والجولاني
يمكن القول إن أوجه الشبه بين الجولاني والخلف كثيرة باستثناء طريقة الوصول للقيادة، فأحمد حسين الشرع دخل الخط العسكري الجهادي مبكراً عام 2003 عندما انضم لسرايا المجاهدين في الموصل، وخرج من معتقله عام 2010 ليشكل عام 2012 جبهة النصرة التي تظهر حالياً في أحدث صورها باسم هيئة تحرير الشام، أما أبو أحمد نور فترقى في القيادة العسكرية من قائد كتيبة في حلب القديمة حمل اسمها (النور) إلى قائد للجبهة الشامية التي قامت على أساس لواء التوحيد أكبر فصائل الشمال السوري.
الجولاني.. من الموصل إلى إدلب
ثار أحمد على أفكار والده حسين القومية العروبية وانتقل إلى العراق عام 2003 متأثراً بأسامة بن لادن وهجمات الحادي عشر من أيلول وانضم لسرايا المجاهدين في مدينة الموصل، وقد قام هذا الفصيل بمبايعة أبي مصعب الزرقاوي عقب تأسيسه لفرع القاعدة في العراق في عام 2004، والذي تحول بدوره إلى تنظيم الدولة فيما بعد.
اعتُقل أحمد الشرع أواخر عام 2004 في سجن بوكا حتى العام 2010، حيث تمكن من إقناع لجنة التفتيش الأميركية بأنه مواطن عراقي لاتقانه اللهجة والثقافة العراقيتين.
خلال فترة اعتقاله، أقام الجولاني علاقات وطيدة مع العديد من الجهاديين العراقيين الذين أصبحوا فيما بعد من أهم القادة العسكريين لدى تنظيم الدولة.
في شهر آب من عام 2011، عبر الجولاني الحدود ليصل إلى سوريا برفقة العشرات ثم أعلن عن تشكيل جبهة النصرة في كانون الثاني من عام 2012، وبموجب اتفاق مسبق مع أبو بكر البغدادي.
توسعت جبهة النصرة وكانت حاضرة بنسب متفاوتة في كل المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وشاركت الفصائل الأخرى العمليات القتالية ضمن غرف عمليات، وطرأ التغير الأول عليها ضمن جبهة فتح الشام ولاحقاً هيئة تحرير الشام، إذ يوضح اختلاف المفردتين (الفتح والتحرير) مدى التغير من الخطاب الجهادي إلى الوطني الثوري.
واجه الجولاني أكبر الامتحانات ألا وهو الإعلان عن تنظيم الدولة في العراق والشام، ورغم أنه خسر عناصر وقيادات وعتادا ومقار عسكرية ومعسكرات إلا أنه حافظ على كتلة صلبة معه واشتبك بالفتاوى والرسائل مع البغدادي ومن ثم الظواهري، واصطف معه منظرون وقيادات من القاعدة، ففك البيعة وغير الاسم والمصطلحات والتصرفات.
وبعد أن استفاد الجولاني من الثورة العسكرية لفصائل الجيش الحر ضد تنظيم الدولة وطردها للتنظيم من شمال غربي سوريا أوائل العام 2014، باشر الجولاني بمهاجمة هذه الفصائل تباعاً وخلال عامين من المعارك الداخلية استتبت له السيطرة المطلقة على إدلب ومحيطها.
ومنذ أن فك البيعة عن الظواهري استفاد الجولاني أيضاً من حالة تمايز الصفوف حيث انشقت مجموعات وشخصيات قيادية عنه، فتركها حيناً ثم قضى عليها بعد ذلك، وتزامن هذا مع غارات أميركية قتلت معظم من رافق الجولاني في مسيرته.
وراوغ الجولاني عندما قررت تركيا الانتشار عسكرياً في إدلب، وإنشاء نقاطها الـ 12 وفق اتفاق أستانا، حتى بات الحامي والمرافق.
وعندما فشلت الهيئة في صد الهجوم الأخير على إدلب وحماة، رمى بورقة جهاز الأمن العام لترميم السمعة أمام تركيا والمجتمع المحلي.
الخلف.. من النور إلى عزم
ينحدر مهند الخلف من قرية تادف بريف حلب الشرقي، ودرس ودرّس في المدرسة الشرعية في تركمان بارح، التي خرج منها قرابة 60 مقاتلاً في الفصائل العسكرية، بينهم قياديون.
وشكل الخلف كتيبة النور التي أصبحت لاحقاً إحدى كتائب لواء التوحيد، وفي معسكره تم تصوير بيان الإعلان عن اللواء لبدء معركة حلب في تموز من العام 2012، وكان من أبرز الشخصيات المؤثرة في اللواء ومن أهم مستشاري عبدالقادر الصالح.
ولأن في المدرسة الشرعية سكن داخلي للطلاب، فتتشكل علاقات متينة بين الطلبة والمعلمين الشيوخ، يعززها حالة الولاء للشيخ وفق معتقدات الطرق الصوفية التي يكون فكر المدرسة أقرب إليها. وهذا ما حصل مع الخلف وعبد الله العثمان المدير السابق للمدرسة الشرعية والذي أصبح رئيس مجلس الشورى في الجبهة الشامية، والذي في منزله تم الاتفاق على تشكيل المجلس الثوري لحلب وريفها.
قاتل أبو أحمد في حلب القديمة تحت لواء لواء التوحيد وعمل إلى جانب ذلك في المكتب الإغاثي للواء، ولم يكن من الشخصيات البارزة في المدينة التي تغيرت فيها خريطة السيطرة الفصائلية بعد 2014، حيث انسحب التوحيد وفصائل ريف حلب الشمالي إلى قراهم لطرد التنظيم منها.
أواخر عام 2014 قررت الفصائل الأربع الكبرى في حلب (لواء التوحيد - الجبهة الإسلامية، وحركة نور الدين زنكي، وجيش المجاهدين، وتجمع فاستقم كما أُمِرْت) الاندماج تحت مسمى الجبهة الشامية بقيادة عبد العزيز سلامة "أبو جمعة".
في مثل هذا اليوم 25 كانون الأول 2014، توحدت أكبر فصائل الثورة السورية في محافطة حلب تحت مسمى "الجبهة الشامية"، بهدف توحيد الجهود العسكرية لمواجهة ميليشيات الأسد التي تحاول محاصرة المدينة حينها، واختارت عبد العزيز سلامة قائداً لها.#ذاكرة_الشامية pic.twitter.com/61IKNx17pi
— الجبهة الشامية (@shamfront2011) December 25, 2020
وتعرضت الجبهة الشامية لاحقا لانشقاقات وانضمامات حيث انضم فصيل "ثوار الشام" إليها بقيادة حسام ياسين "أبو ياسين" والذي يعد من مؤسسي جيش المجاهدين وما قبله "لواء الأنصار" في ريف حلب الغربي.
وعين أبو ياسين قائداً عاماً للجبهة الشامية في نيسان من العام 2016، ونائبه أبو أحمد نور، في خطوة كانت مفاجئة لأن "الياسين" من كتلة صغيرة في الشامية، وهذا ما يراه البعض قراراً بتعيين قائد توافقي غير محسوب على الكتل المناطقية للشامية، وآخرون يرونه دلالة على حالة انضباط وقوننة في الشامية بعيداً عن المحاصصة.
قاد أبو ياسين الجبهة الشامية في فترة ذروة المعارك شمالي حلب مع النظام وتنظيم الدولة على حد سواء، وبعد انتفاضة لمقاتلي تل رفعت المهجرين ضد قرارات أبو ياسين، أعلن الأخير استقالته وعين بدلاً عنه نائبه أبو أحمد نور قائداً عاماً للجبهة الشامية في نيسان من العام 2018.
أوجه الشبه بين القائدين
وكما تمكن الجولاني من النجاة بفصيله، استطاع "أبو أحمد نور" الحفاظ على صلابة الشامية أمام هجمات فرقة "السلطان مراد" وغيرها من الفصائل، ولم يتنازل عن معبر باب السلامة للحفاظ على مصدر عائدات مالية للشامية ليغطي النقص الذي واجهته الشامية من الدعم التركي الذي توجه بنسب أكبر لفصائل أخرى في الجيش الوطني.
وحافظ " أبو أحمد نور" على حالة توازن القوى والكتل داخل الجبهة الشامية، ولم يكن تحقيق هذه المهمة على حساب صلاحياته الواسعة، فاتخذ "أبو أحمد" قرارات كبيرة، ساعدته في ذلك حالة التوافق الموجودة في مجلسي القيادة والشورى.
هذه الصلاحيات الواسعة لأبي أحمد نور مشابهة لما يمتلكه الجولاني، والذي ما زال يحسب الحساب للتيارات والكتل داخل الهيئة ككتلة أبو إبراهيم سلامة وكتلة تفتناز وكتلة أبناء مدينة حلب وكتلة المهجرين من درعا والغوطة ودير الزور.
ويعتقد مراقبون أن القائد السابق للواء التوحيد بعد مقتل عبد القادر الصالح، وقائد الجبهة الإسلامية في حلب عبد العزيز سلامة "أبو جمعة" والذي يلقب بـ "حجي عندان"؛ هو القائد الفعلي للجبهة الشامية، إلا أن الأخير يشغل فقط منصب عضو في مجلس شورى الجبهة الشامية، وغاب عن المشهد لسنتين ثم ظهر أخيراً في أيار الفائت ضمن اجتماع موسع لقادة الكتائب يحضهم على الاستمرار بدرب الثورة السورية.
وعاد الحديث عن سلامة مؤخراً بعد التسريبات عن اللقاءات بين الجبهة الشامية وهيئة تحرير الشام، إذ اعتبر البعض أن سلامة مفتاح العلاقة بين الفصيلين وعززوا فرضيتهم بربط العلاقة بين "أبو جمعة" وقريبه عبد الرحمن سلامة أبو إبراهيم الذي شغل منصب "أمير حلب" في جبهة النصرة سابقاً وما زال قيادياً في هيئة تحرير الشام.
ومن أوجه الشبه بين القائدين جهود بناء الكاريزما القيادية والخطابية، فالجولاني يستغل كل منبر ومناسبة لإلقاء كلماته على المقاتلين والمدنيين، وكذلك يفعل أبو أحمد نور فيخطب الجمعة في مساجد اعزاز وجرابلس وغيرها، ويحضر المناسبات العامة كحفل تخرج طلاب الجامعة وفعاليات ذكرى الثورة السورية.
وبمشاهدة التسجيلات المصورة للشرع والخلف، يبدو عليهما حالة الهدوء المتزن في الحديث الطبيعي مع الأشخاص أو عند الخطابة على منبر ما، ولا يكثران من الحديث عن القضايا الساخنة كما يفعل معظم القياديين باستثناء تغريدات أبو أحمد نور على حسابه في تويتر.
وضمن حالة الانهيار الأمني التي عانت منعها منطقة سيطرة الجيش الوطني وتحديداً في الأعوام 2018 و2019 و2020، برزت الجبهة الشامية من خلال النجاحات في ضبط مدينة اعزاز (المعقل الأول) أمنياً، وتمكنت شعبة المخابرات في اعزاز من القبض على عدد من الخلايا التابعة لتنظيم الدولة و"قسد"، ولم تشهد المدينة بحكم السيطرة المطلقة للجبهة الشامية أحداث اقتتال فصائلي.
وبرز "أبو أحمد نور" في يوم السيطرة على مدينة عفرين، فقاد قوة أمنية انطلق بها من اعزاز إلى عفرين لضبط الانفلات الأمني والسرقات الواسعة التي حصلت، ورعى بعد ذلك في منطقة عملية "غصن الزيتون" كل المبادرات لإعادة الحقوق إلى أصحابها.
وهذه الحالة من الضبط الأمني في مناطق سيطرة الجبهة الشامية مشابهة للحالة في إدلب.
ويمتاز القائدان الشرع والخلف ببراغماتية عالية، فأبو أحمد نور شكّل "عزم" مع فهيم عيسى قائد فرقة السلطان مراد، وهكذا بات عدو الأمس صديق اليوم، فعيسى إلى جانب فصائل أصغر شن هجوماً عام 2017 على مقار الجبهة الشامية وباء بالفشل.
وأوجه الشبه لا تقتصر على القائدين فقط، فالفصيلان يتشابهان بحالة الصلابة التنظيمية والتطور العسكري عبر السنوات الماضية وامتلاكهما موارد مالية أبرزها المعابر ومشاريع تجارة المحروقات وغيرها، وهذه المميزات التي دفعت الفصائل المنهارة الصغرى للتوجه إما للجبهة الشامية أو لهيئة تحرير الشام.
وللجبهة الشامية مرجعية دينية واحدة كما معظم الفصائل العسكرية هي المجلس الإسلامي السوري، الذي راسله الجولاني وعرض عليه التسهيلات لدخول دعاته إلى محافظة إدلب، لكن المجلس يرفض ذلك حالياً، نظراً للانتهاكات الكبيرة الصادرة عن الهيئة، وتاريخها الحافل بالقضاء على الفصائل السورية.
السيناريو النهائي
تقاطعت المصادر التي تحدث إليها موقع تلفزيون سوريا عند سيناريو واحد تقريباً، إذ سيكون الشمال السوري تحت قيادة مجلس عسكري واحد بقيادة ثلاثية متمثلة بالجولاني وأبو أحمد نور وفهيم عيسى.
ورجحت المصادر أن يكون قائد المجلس العسكري المرتقب من "عزم" التي لها حضور في إدلب بـ 3 آلاف مقاتل ضمن 6 ألوية عسكرية ينتشرون على 250 نقطة رباط، في حين يبلغ تعداد غرفة "عزم" بالكامل نحو 38 ألف مقاتل.
وجاء الحضور العسكري لعزم في إدلب بعد أن وافق الجولاني على دخول قوات من الجيش الوطني إلى جبهات ريف حلب الغربي وأرياف إدلب للدفاع عن المنطقة من هجمات النظام وروسيا وإيران عام 2019.