"كيف أخفت الولايات المتحدة غارة جوية قتلت عشرات المدنيين في سوريا؟" تحت هذا العنوان، نشرت (نيويورك تايمز) تقريراً مطوّلاً كشفت فيه عن قصف الطائرات الحربية الأميركية عشرات المدنيين في بلدة "الباغوز" (آذار 2019)، خلال الحرب التي شنتها قوات التحالف على تلك البلدة التي صُنّفت كآخر معقل لتنظيم "الدولة" في سوريا.
وأشار التقرير في مقدمته، إلى أن الجيش الأميركي "لم يجر أبدًا تحقيقًا مستقلًا في قصف عام 2019 على آخر معقل لتنظيم الدولة (الباغوز)، على الرغم من المخاوف بشأن قوة كوماندوز سرية".
قنابل بزنة 800 كيلوغرام!
وتابع التقرير: في الأيام الأخيرة من المعركة ضد التنظيم في سوريا، عندما حوصر أعضاء من "دولة الخلافة" في حقل ترابي بجوار بلدة الباغوز، حلقت طائرة بلا طيار عسكرية أميركية في سماء المنطقة بحثًا عن أهداف عسكرية. لكنها لم تشهد سوى حشد كبير من النساء والأطفال متجمعين على ضفة نهر (الفرات).
ومن دون سابق إنذار، اخترقت طائرة هجومية أميركية من طراز F-15E مجال الرؤية عالي الدقة للطائرة المسيّرة، وأسقطت قنبلة زنة 500 رطل (نحو 200 كيلوغرام) على ذلك الحشد، وابتلعته في انفجار مروع. مع تلاشي الدخان، نجا عدد قليل من الناس وراحوا يبحثون عن ملاذ، فأسقطت طائرة تتبعهم قنبلة زنة 2000 رطل (نحو 800 كيلوغرام)، ثم قنبلة أخرى، ما أسفر عن مقتل معظم الناجين. كان ذلك في الـ18 من آذار 2019.
70 طفلاً وامرأة ضحية القصف
في مركز العمليات الجوية المشتركة التابع للجيش الأميركي في قاعدة العديد الجوية في قطر، كان أفراد يرتدون الزي العسكري يشاهدون في حالة من الذهول لقطات حية للطائرة المسيّرة وهي تقصف، وفقاً لضابط كان هناك.
وخلال ذلك، سأل أحد المحللين العسكريين المتابعين للمشاهد: "من أسقط ذلك؟" ليرد عليه آخر (عبر نظام الدردشة على الشاشة): "لقد أسقطنا للتو 50 امرأة وطفلاً".
وبحسب تقييم أولي لأضرار المعركة، يفيد التقرير بأن عدد القتلى كان في الواقع نحو 70 طفلاً وامرأة.
"الغارة جريمة حرب"
ويصف التقرير "غارة الباغوز" بأنها كانت واحدة من أكبر حوادث الضحايا المدنيين في الحرب ضد تنظيم "الدولة"، لكن لم يعترف بها الجيش الأميركي علنًا. وتظهر التفاصيل التي تم الإبلاغ عنها هنا لأول مرة، أن عدد القتلى كان واضحًا على الفور للمسؤولين العسكريين.
ونقل التقرير عن "ضابط قانوني" قوله إن الغارة جريمة حرب محتملة وتتطلب إجراء تحقيق. لكن الجيش أخفى تفاصيل الضربة الكارثية. إذ تم التقليل من عدد القتلى، كما تم تأخير التقارير و"تنقيتها" وتصنيفها. كما جرفت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة موقع الانفجار، من دون إخطار كبار القادة.
ولفت إلى أن المفتش العام المستقل بوزارة الدفاع الأميركية كان قد بدأ تحقيقاً، ولكن التقرير الذي يحتوي على نتائج ذلك التحقيق تم تعطيله وتجريده من أي إشارة إلى الضربة.
مسؤولية (الفرقة 9) الأميركية السرية
إلا أن صحيفة نيويورك تايمز تمكنت خلال شهور من جمع تفاصيل الضربات المذكورة على المدنيين في الباغوز من وثائق وتقارير سرية بالإضافة إلى مقابلات مع أفراد متورطين بشكل مباشر، ومسؤولين لديهم تصاريح أمنية سرية للغاية، وجميعهم ناقشوا الحادث بشرط عدم ذكر أسمائهم.
وعلى ضوء ذلك، أجرت التايمز تحقيقاً توصلت من خلاله إلى أن القصف تم تنفيذه من قبل وحدة العمليات الخاصة الأميركية السرية (الفرقة 9)، التي كانت مسؤولة عن العمليات البرية في سوريا. تلك الفرقة كانت تعمل في سرية تامة لدرجة أنها في بعض الأحيان لم تبلغ شركاءها العسكريين عن أفعالها.
وبعد أن أرسلت نيويورك تايمز النتائج التي توصلت إليها إلى القيادة المركزية الأميركية، التي أشرفت على الحرب الجوية في سوريا، أقرت القيادة بالضربات لأول مرة، قائلة إن 80 شخصاً قتلوا، ولكن الضربات الجوية كانت مبررة.
وزعمت القيادة المركزية أن القنابل قتلت 16 مقاتلاً وأربعة مدنيين. أما بالنسبة للقتلى الستين الآخرين، فقال البيان إنه لم يتضح أنهم مدنيون، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن النساء والأطفال في تنظيم "الدولة" حملوا السلاح في بعض الأحيان.