يتعرض مزارعو القمح في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، للاستغلال من قبل بعض التجار، بسبب انخفاض سعر طن القمح في السوق الحرة (السوداء)، بعد أن علقت المؤسسة العامة للحبوب التابعة للحكومة السورية المؤقتة شراء القمح من المزارعين، على الرغم من توسع زراعة القمح وتحسن الإنتاج الزراعي في بعض المناطق خلال الموسم 2022 - 2023.
ويشتكي مزارعو القمح في المنطقة من انخفاض أسعار مادة القمح في السوق السوداء التي يتراوح سعرها ما بين 260 و270 دولاراً أميركياً لطن القمح القاسي، بينما طن القمح الطري بين 240 و250 دولاراً أميركياً، في ظل انخفاض الطلب على المادة في مختلف المناطق السورية على عكس العام الماضي، الذي شهد ارتفاعاً في السعر.
مزارعون يتعرضون للاستغلال
اضطر بعض المزارعين في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، إلى بيع محصول القمح في السوق السوداء بأسعار مختلفة عن التسعيرة التي وضعتها الحكومة السورية المؤقتة، بفارق يتجاوز 40 دولاراً أميركياً للطن في حال كان من الدرجة الثالثة على أقل تقدير.
ومن بينهم المزارع مصطفى العبد الله، الذي اضطر إلى تخزين محصول القمح الذي أنتجته أرضه الزراعية التي يعمل بها في منطقة مارع لأكثر من شهر بعد الحصاد، ريثما يأتي دوره في بيع القمح لمركز الحبوب، وقبل ثلاثة أيام من وصول موعد تسليم القمح، تفاجأ بتعليق استلام القمح من قبل مؤسسة الحبوب.
وقال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" إن "إنتاج محصول القمح لهذا العام جيد، إلا أن الأسعار لم تكن مناسبة للمزارعين في ظل انخفاضها وعدم قدرة الجهات الرسمية على شراء المحصول من المزارع وفقاً للتسعيرة التي تم تحديدها".
وأضاف أنه "ينتظر طوال العام - مثل باقي المزارعين - آملاً موسماً جيداً، لكن الأسعار تسببت في خسارته في زراعة القمح، حيث باع إنتاج محصول القمح القاسي بـ 262 دولاراً أميركياً للطن الواحد من الدرجة الثالثة، بينما التسعيرة في مركز الحبوب بـ 300 دولار أميركي".
وأوضح أن تسعيرة القمح في البداية كانت غير مناسبة لأنها لا تترك هامشاً للربح مناسباً للمزارع، إضافة إلى أنها تسببت في تخفيض الأسعار في السوداء في ظل انخفاض الطلب على المادة.
وحددت وزارة المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة مطلع الموسم الحالي، سعر القمح القاسي بـ 330 دولاراً أميركياً للطن الواحد الصافي من الدرجة الأولى، في حين أصبح سعر القمح الطري بـ 285 دولاراً للطن الواحد الصافي من الدرجة الأولى، وينخفض السعر تبعاً لجودة المحصول، لكل درجة 10 دولارات.
أسعار القمح منخفضة
انخفضت أسعار محصول القمح في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بشكل غير مسبوق، مقارنةً مع العام الماضي الذي شهد طلباً على المحصول في مختلف الجغرافيا السورية، بأسعار عالية تراوحت ما بين 450 و500 دولار للطن الواحد.
وحدد تاجر المحاصيل الزراعية عبد الغني الخطيب ثلاثة أسباب لانخفاض تسعيرة القمح في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي:
- شراء نسبة قليلة من محصول القمح من قبل مؤسسات الحبوب التابعة للحكومة السورية المؤقتة، إضافة إلى تعليق استلام الحبوب لأكثر من مرة خلال الموسم الحالي ما دفع المزارعين إلى بيع المحصول في السوق السوداء بأسعار منخفضة لأن عليهم ديوناً وبحاجة إلى سدادها.
- توسع زراعة القمح خلال العام الحالي ووجود كميات كبيرة لدى المزارعين، بعدما ارتفع سعر القمح خلال العام الماضي إلى أكثر من 450 دولاراً، حيث كان هناك قلة بالمحصول، في ظل وجود أزمة غذاء عالمية تزامناً مع الحرب الأوكرانية - الروسية.
- عدم وجود تصريف لمحصول القمح، كما حصل خلال العام الماضي، حيث كان يدخل إلى مناطق قسد ومناطق النظام، والآن ليس هناك طلب على مادة القمح في ظل وجود القمح المستورد (الأوكراني).
وأوضح خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أنه "لا يوجد تصريف لمادة القمح وما يشترى من قبل التجار بهدف التخزين"، مشيراً إلى وجود أنواع من القمح عليها طلب مثل (الحمارية) وهو قمح مائل للون الأحمر، تصنع منه مادة السميد وتصدر إلى العراق ولبنان، بينما القارحة، قمح مائل للون الأصفر، تعتبر طرية ليس عليها طلب في السوق المحلية.
شراء كميات محدودة
رغم تحديد أسعار القمح للموسم الزراعي 2022 - 2023، من قبل الحكومة السورية المؤقتة، إلا أنها علقت شراء المحصول من المزارعين، ما تسبب في خسارة الكثير من المزارعين وتعرضهم للاستغلال من قبل بعض التجار الذين يشترون القمح بأسعار منخفضة، في ظل الحاجة الماسة للمزارعين في بيع المحصول وعدم قدرتهم على التخزين بسبب الالتزامات والديون المفروضة عليهم.
ووضعت مؤسسة الحبوب، تسعيرة القمح وفقاً لمتوسط التكاليف الزراعية، مع ترك هامش من الربح للمزارع يتراوح بين 20 و30 في المئة من كلفة إنتاج طن القمح، وفق معايير ودرجات عددية، يحدد فيها نسبة "الإجرام"، الشوائب الموجودة مثل القش والحصى وبذور الأعشاب.
وتسبب نقص الموارد والسيولة المالية المحدودة لدى المؤسسة العامة للحبوب في تعليق شراء القمح من المزارعين، رغم محاولاتها استجرار الدعم من خلال مشاريع الموازنة المالية المرسلة إلى الدول الداعمة للحكومة المؤقتة لشراء المنتج المحلي بحسب ما أوضح مدير المؤسسة العامة للحبوب حسان المحمد.
وقال خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" إن "المؤسسة العامة للحبوب اشترت 22 ألف طن من القمح وذلك من موارد الطحين والخبز، لكن انخفاض أسعار الطحين أدى إلى عدم قدرة المؤسسة على بيع كميات كبيرة من الطحين بسبب توافر الطحين المستورد الذي يصل عبر بعض المنظمات".
وأضاف أن "السبب وراء نقص الموارد، عدم وجود تنسيق بين المنظمات والمؤسسة العامة للحبوب، كون المنظمات تتعاون مع المجالس المحلية وتنفذ مشاريعها بمنطقة محددة وليست شاملة وهذا ناتج عن ضعف الحكومة ومؤسساتها في فرض نفسها".
وتعمل جمعيات ومنظمات إنسانية، مثل قطر الخيرية وغلوبال وكوميونتي على شراء القمح من المزارعين الموجودين داخل برامج الدعم المخصص لزراعة القمح، بينما باقي المزارعين يضطرون إلى بيع المحصول إما للتجار في السوق السوداء أو للمؤسسة العامة للحبوب.
وفي تصريح سابق لموقع "تلفزيون سوريا"، قال مدير مديرية زراعة حلب، حسن الحسن، إن إنتاج القمح في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" نحو 103 آلاف و629 طناً، بينما يقدر إنتاج منطقة "نبع السلام"، بنحو 115 ألفاً و500 طن من القمح، بينما بلغ الإنتاج الإجمالي للمناطق الثلاث خلال الموسم الماضي، نحو 116 ألفاً و849 طناً.
وأوضح المحمد، أن المشاريع التي تنفذها المنظمات، تنتهي مع وصول مرحلة الإنتاج، فعلى سبيل المثال تدعم الفلاح من موسم الزراعة، حتى الحصاد وشراء المنتج وطحنه وتوزيعه على المستفيدين من خلال تقديم الطحين للأفران، وهنا يكون المشروع انتهى كلياً.
وأكد، أن مشاريع الدعم الزراعي مهمة، لكن المشكلة عدم التنسيق مع المؤسسة بهدف دعم هذا القطاع يضمن الاستمرارية للمزارع ما يعرضه كما الواقع الحالي للاستغلال والخسارة في بيع منتجه.
مشاريع دعم القطاع الزراعي
تعمل جمعيات ومنظمات إنسانية في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي على تنفيذ مشاريع زراعية بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "الأوتشا" و"قطر الخيرية"، بهدف دعم القطاع الزراعي، وتعزيز الأمن الغذائي لقاطني المنطقة، عبر سلسلة من الأنشطة المتكاملة والمنتظمة، التي تدعم مئات المزارعين والفلاحين، والأيادي العاملة من سكان المنطقة.
ودعمت جمعية "قطر الخيرية" مشروعاً مماثلاً بالتنسيق مع جميع الجهات الفاعلة بالمنطقة ومن ضمنها المؤسسة العامة للحبوب في ريف حلب، حيث تضمن المشروع دعم المزارعين من بذرة القمح إلى رغيف الخبز، في دورة زراعية كاملة مما ساهم في تعزيز النشاط الزراعي.
وأكدت مديرة مشروع الأمن الغذائي وسبل العيش في جمعية "قطر الخيرية"، يمن علوان، خلال حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "الجمعية مستمرة في دعم القطاع الزراعي منذ خمس سنوات حتى الآن، وهناك خطط لاستمرار دعم المزارعين خلال الأعوام المقبلة".
وأوضحت أن "جمعية قطر الخيرية لهذا العام تدعم مشروعاً جديداً حيث تدعم فيه شراء القمح مباشرة من المزارعين، بينما في العام الماضي كانت عملية الشراء قد تمت من خلال التعاقد مع مؤسسة الحبوب في الحكومة السورية المؤقتة إذ اشترت القمح من المزارعين بدعم من قطر الخيرية"، مشيرةً إلى وجود تنسيق مع مؤسسات المؤقتة والمجالس المحلية والجهات الفاعلة في المنطقة
وكانت جمعية "قطر الخيرية" اشترت خلال الموسم الزراعي الحالي ضمن مشروع دعم القطاع الزراعي نحو ألف و184 طناً من القمح (قاسي - طري) بحسب التسعيرة المحددة لشراء طن القمح وفق ثلاث درجات، ويخزن القمح في صوامع مدينة الراعي، بهدف طحنه وخبزه وتوزيعه كخبز (مدعوم ومجاني) على الأسر المتضررة والضعيفة في منطقتي الراعي وعفرين.
ويوجد فارق كبير بين الإنتاج المحلي لمحصول القمح، والكميات التي يتم شراؤها سواء من المؤسسة العامة للحبوب أو من المنظمات العاملة في مجال دعم القطاع الزراعي التي تشتري القمح من المنتجين الذين حصلوا على دعم زراعي، مما تسبب في تعرض بعض المزارعين غير المدرجين لخسارة في موسم القمح كون التجار يدفعون أسعاراً لا تتناسب مع كلفة الإنتاج، في وقت لا تضمن فيه تلك الأسعار الحد الأدنى من الربح للمزارع بحسب التسعيرة المعتمدة.