icon
التغطية الحية

"القمر يصيخ السمع": أول أوبرا يقدمها لاجئون سوريون وفلسطينيون في مخيم شاتيلا

2023.07.25 | 09:29 دمشق

آخر تحديث: 25.07.2023 | 09:29 دمشق

الطلاب اللاجئون السوريون عفراء ووسام وشيماء من مخيم شاتيلا ببيروت والذين سيشاركون في تأدية أوبرا: "القمر يصيخ السمع"
الطلاب اللاجئون السوريون عفراء ووسام وشيماء من مخيم شاتيلا ببيروت والذين سيشاركون في تأدية أوبرا: "القمر يصيخ السمع"
The Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

ضجة غير معهودة تملأ خلفية الضجيج الصاخب خلال احتفالات العيد في إحدى زوايا مخيم شاتيلا للاجئين بالقرب من بيروت، حيث هرعت ثلة من الأطفال لتتجمع حول باب معدني أسود، وهم يضحكون ويضعون آذانهم عليه في محاولة لاستراق السمع لما يجري خلفه، فقد أقيم في الداخل تدريب على الأداء لأول أوبرا ستقام في مخيم شاتيلا.

على مدار العام الفائت، ظهرت فرقة من الطلاب اللاجئين السوريين ضمت في البداية 15 فرداً من أبناء مدرسة السما التابعة للمخيم ثم زاد عددهم ليصل إلى 60 عضواً، وذلك بسبب تعاون مهرجان غارسينغتون للأوبرا معهم وكذلك مؤسسة ماكسارادا للأوبرا وهو مشروع تجاوز حدود أوروبا ليصل إلى الشرق الأوسط ويجمع بين شباب الخليل في الضفة الغربية وشباب دمشق في سوريا وشباب مدينة ماتيرا الإيطالية.

خلال هذا الشهر، ستقدم فرقة غارسينغتون للشباب أول عرض لأوبرا: "القمر يصيخ السمع"  على خشبة مسرح باكينغهام خلال فعاليات مهرجان الأوبرا. ولهذا سافرت الصحفية آبي تشيزمان إلى شاتيلا في شهر نيسان لتحضر التدريب على الأداء، وهذه الأوبرا تقوم على قصص من حياة سائر الأطفال المشاركين فيها، والذين كتبوا نصها وألفوها بأنفسهم هم أيضاً، وبالتعاون مع ملحنين ومخرجين بريطانيين، حفظ شباب وبنات شاتيلا الفصل الأول من الأوبرا وأصبحوا على استعداد لتقديم العرض أمام أهاليهم، إلى جانب تدربهم على الأداء أمام الجمهور، وهذا هو الأهم.

برنامج تعليمي فني في مخيم فقير

انقطعت الجلبة في الخارج حيث يركض الأطفال بين الأزقة الضيقة التي تفصل بين أبنية المخالفات الإسمنتية في مخيم شاتيلا. انضم جمهور مؤلف من أصدقاء وأمهات وجدات وإخوة وأخوات وأبوين اثنين فقط لمشاهدة العرض برفقة كارين جيلينغهام، وهي المخرجة الإبداعية لدى غارسينتغتون والمتخصصة بعمليات التعلم والمشاركة، والتي أخذت تقود الأطفال أثناء تدريبهم لأصواتهم على غناء إحدى الأغاني الشعبية.

جلست الأمهات بكل فخر بين الجمهور، إلا أن دموعهن أخذت تتساقط وهن يشاهدن أولادهن وهم يمثلون، إذ في بلد انهارت فيه المنظومة التعليمية، يصبح مخيم فقير للاجئين آخر مكان يتوقع المرء أن يجد فيه مدارس نظامية، فكيف ببرنامج فني؟!

تقول ريم والدة مرام البالغة من العمر 16 عاماً: "لم أكن أعرف شيئاً عن الأوبرا قبل هذا"، إذ تمثل مرام مع هذه الفرقة، وفي الفصل الأول من المسرحية تغني مرام مقدمة لقصة حول عمالة الأطفال في شاتيلا، والقصة تدور حول شقيقها الذي لم يتمكن من الذهاب إلى المدرسة لأن أسرته تعتمد على دخله اليومي الذي يعادل دولارين باليوم الواحد.

"وحده القمر رأى كم مرة ركضت فيها خلف قوارير فارغة... يداي قذرتان".. هذا ما تغنيه مرام في إشارة إلى ممارسة شائعة في مختلف أنحاء لبنان، يقوم الأطفال من خلالها بالبحث في الشوارع وحاويات القمامة عن الفوارغ البلاستيكية والمعدنية حتى يقوموا ببيعها.

بعض الفتيات من مثيلات مرام كبرن وسط أهل محافظين من الناحية الدينية، وهؤلاء يعتبرون الغناء حراماً، ولهذا فقد كسرت الأوبرا لدى البعض منهن قيوداً اجتماعية داخل الأسرة، بعدما سُمح للفتيات اليوم بأداء الأجزاء التي خصصت لهن وغنائها في البيت. في حين تحدت أخريات آباءهن وأشقاءهن الذكور عبر التوجه إلى تجربة الأداء في ذلك اليوم.

"ألم العيش في الأحلام"

بالحديث عن أداء مرام، تقول أمها ريم: "فخورة جداً بابنتي، فلقد تحسنت كثيراً كإنسانة وكفتاة، وسأدعمها في تحسنها حتى تظل تغني في البيت".

يعتبر التعليم في مدرسة السما تعليماً شاملاً، لدرجة أنه في إحدى المقابلات التي أجريت بعد العرض، تحدثت طوال الوقت وبكل طلاقة باللغة الإنكليزية مجموعة مؤلفة من طلاب لا تزيد أعمارهم على 16 عاماً، في حين بدل الطلاب الأصغر سناً بين الإنكليزية والعربية، فقد فر جميع الصبيان والبنات إلى لبنان في عام 2017، ومعظمهم تعود أصولهم إلى مدينة الرقة التي اجتاحها تنظيم الدولة في ذلك العام، أو إلى مدينة دير الزور التي حررتها مجموعة مقاتلة من بطش قوات النظام عام 2017 بعد حصار امتد لثلاثة أعوام، ولهذا فإن جميع هؤلاء الطلاب لم يكن أي منهم يعرف شيئاً عن الأوبرا قبل ذلك، كما لم يسمع أحد منهم بهذه الكلمة من قبل، إلا أن جميعهم اليوم باتوا مغرمين بها، إذ يقول أحد الفتية وهو يدندن: "خسرنا كل شيء... لا أريد لابني أن يقاسي ما قاسيته من ألم العيش في الأحلام".

تخبرنا جيلينغهام كيف أُلفت تلك المقطوعة الموسيقية، وتشرح لنا بأن ما يوحد بين جميع الأطفال هو قدرتهم على النظر إلى القمر والتحدث إليه، ولهذا سئل كل منهم ما الذي ستقوله للقمر؟ وما النصيحة التي ستطلبها منه؟ كما طلب من الأطفال أن يصفوا شباكاً علق بذاكرتهم عندما نظروا منه إلى ما كان خارجه.

 

From left to right: Mariam, Nour, Louay, Wissam, Ymama, Malak, Tayba and Fatimah in rehearsals

من اليسار إلى اليمين: مريم، نور، لؤي، وسام، يمامة، ملك، طيبة، فاطمة أثناء تدريبات الأداء

وخلال عملية التأليف، كان الطلاب في بيروت والمملكة المتحدة يتعاونون عبر مكالمات تطبيق زووم، وهكذا عرف طلاب إحدى المدارس البريطانية بعمالة الأطفال التي حرمت شقيق مرام من المدرسة. كما أوجد الطلاب شخصية اسمها نسمة وهي شخصية تحمل القصص إلى دول مختلفة، وبذلك تحولت القصص إلى سلسلة من المقطوعات القصيرة التي تدور حول كل مكان بحسب ما ذكرته جيلينغهام.

الأوبرا... بيانو الأمل

تشتمل المقطوعة التي تتألف من مقاطع باللغة العربية والإنكليزية والإيطالية على قصص أطفال وقصص شعبية أتت من ثقافاتهم المختلفة ونسجت معها، وصاغت كلمات تلك المقطوعة الشاعرة ليزا لوكس التي تحمل التراث السوري والبريطاني فحولتها إلى أوبرا، كما جمع الملحن ريتشارد تايلور الألحان التي ألفها الأطفال في لحن واحد، فكانت النتيجة هذا الجهد المشترك الرائع الذي أتى مختلفاً كونه يحمل طابع مناطق عديدة. ففي دمشق والجليل ستقدم معظم مسرحية الأوبرا باللغة العربية، ولكن في بيروت يرغب الشباب بتقديم أغلب الأوبرا باللغة الإنكليزية.

لأوبرا غارسينغتون باع طويل في التعليم، إذ قد يوحي مهرجانها الصيفي الأنيق بلمسة حصرية، ولكن الأطفال الذين تتعامل معهم هذه المؤسسة في مختلف المدارس المحلية ببريطانيا يأتون من جميع البيئات، ولديهم خبرة ضئيلة أو معدومة في مجال الموسيقا، وعنهم تقول جيلينغهام: "من السهل أن تشعر بأنك داخل صندوقك الصغير الخاص بك في حقل موجود بمكان جميل ضمن مقاطعة باكينغهام"، ومن الفوائد التي لم يتوقعها أحد لانتشار الجائحة هو أنه بوسع الفريق التعليمي الخروج من نطاق نشاطهم، إذ تتابع جيلينغهام بالقول: "فجأة لم نعد موجودين في استوديو برفقة خمسين شاباً وشابة، بل تعين علينا العمل بصورة رقمية وعن بعد"، وهكذا تبين لهم بأن بوسعهم الوصول إلى سوريا ولبنان.

لابد للمرحلة القادمة بالنسبة لغارسينغتون أن تتحول إلى دفعة تحول نحو الأمام، إذ من المقرر أن تفتتح الشركة مركزاً جديداً اسمه استديوهات غارسينغتون خلال هذا العام، بعدما قدم مانحون وجمعيات خيرية ومؤسسات من جهات خاصة مبلغاً قدره 12.5 مليون جنيه إسترليني لتغطية نفقات المرحلة الأولى، وسيزود هذا المجمع غارسينغتون بثلاثة استديوهات للتدريب، وقبو للألبسة والشعر المستعار، إلى جانب بهو ومقهى ومساحة مخصصة لمكاتب الموظفين.

بالنسبة ليجيلينغهام، لابد أن تغير هذه المساحة ما بوسع القسم التعليمي تقديمه، إذ تقول: "أعتقد أن المساحة كبيرة جداً، كما أننا لم يكن لنا مقر من قبل، لأننا عبارة عن مهرجان يعتمد على حالة الطقس، ولا يمتد على مدار العام، إلا أن هذا البناء قدم لنا مكاناً ليصبح مقراً لنا".

لن يسهم أطفال شاتيلا بعرض أوبرا: "القمر يصيخ السمع" الذي سيقدم بشكل مباشر هذا الشهر، وذلك لأن أمور التقانة ما تزال تصعب الجمع بين الكل في وقت محدد، إلا أن جيلينغهام تأمل أن تصبح العروض التي ستتم مزامنتها لتصبح مباشرة ممكنة من خلال الاستديوهات الجديدة.

بما أن أطفال شاتيلا هربوا من الحرب الوحشية الدائرة في سوريا، لذا فقد أضحوا اليوم يعيشون في ظل انهيار اقتصادي يشهده لبنان، وهذا ما جعل اللاجئين، ونسبة كبيرة من الشعب اللبناني يعيشون في فقر، وهذا بالضبط ما جعل الجوقة تغني: "غناء أغاني الضيعة السورية... تلك الأيام كانت أفضل الأيام في حياتي".

وعن الأوبرا، يقول لؤي 16 عاماً: "بالنسبة لي، نظرت من نافذة فرأيت بيانو... كتبت عن شاتيلا، فهي مخيم خطير جداً، ولكن عندما رأيت هذا البيانو الأبيض كتبت بأنه في كل مكان خطير سنعثر دوماً على شيء صغير من شيء آخر، فجميعنا يعيش في ظرف سيء، لكننا وجدنا الأوبرا، أو هذا البيانو الأبيض، الذي يمنحنا الأمل على المواصلة والاستمرار".

أما صديقه وسام المشارك أيضاً في الأوبرا، فيقول: "الطفولة موضوع مهم بالنسبة لنا لأننا لم نعشها أو نختبرها... ولهذا كتبت عن أحد الأيام الجميلة التي أتذكرها من طفولتي قبل الحرب".

أمام الأطفال طريق طويل ليقطعوه في حفظ بقية مسرحية الأوبرا التي سيقدمونها على مسرح روماني بمنطقة بعلبك الأثرية خلال الخريف المقبل، ولكن عندما يكون لديك شغف بالأوبرا كما يصف لؤي، عندها ستتحول إلى نسمة بوسعها أن تحمل الأوبرا من باكينغهام إلى بيروت ثم تعود مجدداً إلى هناك.

 

المصدر: The Times