انشغلت وسائل الإعلام العالمية وحكومات دول خلال الأيام الماضية بالحديث عن غواصة سياحية اختفت قبالة سواحل أميركا الشمالية في المحيط الأطلسي، كانت في جولة بمكان تحطم سفينة "تيتانيك" الشهيرة، بعد نحو أسبوع على غرق سفينة تحمل 700 لاجئ (بينهم سوريون) غرقت قبالة سواحل اليونان نجا منهم 104 لاجئين .
حركت حادثة غواصة الأثرياء الرأي العالمي بشكل أكبر وأشد وضوحاً من حادثة اللاجئين على فداحتها ومأساويتها لما تحمله من عدد كبير من الأشخاص بينهم أطفال ونساء هربوا من الموت والفقر والجوع إلى عالم آخر أكثر "عدالة"!
وما تزال فرق الإغاثة الأميركية والكندية ما تزال تحاول العثور على الغواصة السياحية الصغيرة التي كانت تقلّ خمسة أشخاص يزورون مكان تحطم سفينة "تيتانيك"، في الوقت الذي أوقف خفر السواحل اليوناني البحث عن ناجين من سفينة اللاجئين بعد مرور ما يتجاوز الأسبوع على غرقها واستحالة إيجاد أحياء في عمق البحر.
أثرياء على متن الغواصة
وكان على متن الغواصة هاميش هاردينغ، رئيس شركة "أكشن" للطيران للطائرات الخاصة، وستوكتون راش مؤسس شركة "أوشن غيت" للاستكشاف، وثلاثة آخرين.
تدير شركة OceanGate Expeditions رحلة غوص تنقل الركاب إلى حطام تيتانيك في قاع المحيط بأسعار تبدأ من 250 ألف دولار للشخص الواحد.
وكانت سفينة "تيتانيك" قد أبحرت في أوّل رحلة لها، يوم 10 نيسان 1912، من مرفأ ساوثاهمتون في مقاطعة هامبشاير جنوبي إنكلترا، متجهة إلى مدينة نيويورك.
لكن سفينة "تيتانيك" غرقت عقب اصطدامها بجبل جليدي، بعد خمسة أيام من الإبحار، وقضى 1500 تقريباً من ركابها وأفراد الطاقم البالغ عددهم 2224.
وعُثر على حطام السفينة التي كانت حينذاك الأكبر في العالم، عام 1985، على بعد 650 كيلومتراً من السواحل الكندية وعلى عمق أربعة آلاف متر في المياه الدولية للمحيط الأطلسي، ومنذ ذلك الحين يزور الحطام صائدو كنوز وسيّاح.
ومنذ نحو عامين، بدأت شركة "أوشن غايت" تنظيم رحلات سياحية استكشافية إلى حطام السفينة، عبر غوّاصة صغيرة تتسع لخمسة أشخاص، بكلفة 125 ألف دولار للشخص الواحد، تشمل الغوص لرؤية الحطام، ومعدات الرحلة، وجميع الوجبات.
تغطية إعلامية مستمرة
وأفردت كل من "بي بي سي" و"الغارديان" و"سي إن إن" و"سي بي إس" و"ديلي ميل" و"رويترز" و"أ ف ب" و"إندبندنت" و"نيويورك بوست" و"سي بي إس" و"نيويورك تايمز" وغيرها الكثير من أبرز الصحف ووسائل الإعلام العالمية مساحة واسعة لتغطية الحدث.
ورغم أهمية البحث عن غواصة "أوشنغيت إكسبديشنز" ومن فيها من أشخاص، إلا أن التغطية الإعلامية لأولئك الأشخاص كانت بأضعاف مضاعفة من التركيز على المئات من اللاجئين الغرقى في البحر، حيث تتهم منظمات حقوقية خفر السواحل اليوناني بإغراق سفينة اللاجئين.
وتعليقاً على ذلك، قال تشارلز ليستر الباحث وأستاذ العلوم السياسية، بتغريدة على حسابه بموقع "تويتر": "في الأسبوع الماضي، غرق قارب يحمل ما يقرب من 750 لاجئاً يائساً قبالة سواحل اليونان ولم ينجُ منهم سوى 104".
وأضاف ليستر: "اليوم، يجري البحث عن غواصة تحمل 5 أثرياء في المحيط الأطلسي. كلاهما مأساة، لكن إحداهما حققت تغطية إعلامية على مدار الساعة.خمن أي..".
Last week, a boat carrying ~750 desperate refugees sank off the coast of #Greece -- only 104 survived.
— Charles Lister (@Charles_Lister) June 20, 2023
Today, a search is on for a submersible carrying 5 wealthy individuals in the Atlantic.
Both are tragedies, but one achieved hour-to-hour media coverage.
Guess which... pic.twitter.com/1OHRmFbCbp
لماذا قضية اللاجئين أقل أهمية؟
ومن المرجح أن التغطية الإعلامية لحادثة غرق اللاجئين السوريين وغيرهم من جنسيات أخرى، كانت على درجة أقل من الأهمية مقارنة بحادثة غرق غواصة الأثرياء، بسبب الانتقادات الواسعة التي وجهت إلى السلطات اليونانية، وإمكانية التورط في عملية إغراق مقصودة للاجئين حتى لا يكرر غيرهم الطريقة في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي هرباً من واقع بلادهم السيئ.
وبحسب قناة الجزيرة، من المقرر أن يمثل 9 مصريين تحتجزهم أثينا بشبهة أنهم مهربون متورطون في الكارثة، أمام محكمة يونانية، وستتخذ السلطات قراراً إما بإخلاء سبيلهم أو حبسهم بانتظار بدء المحاكمة.
وقال محامي أحد المحتجزين إن موكله ليس مهرباً ولكنه ضحية دفع أموالاً مقابل نقله إلى إيطاليا.
وأضاف المحامي أن موكله "غادر بلاده بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا بسبب الصعوبات الاقتصادية".
وأشارت القناة إلى أن هناك تقارباً بين شهاداتهم وبين أقوال الشهود الذين مثلوا أمام القضاء اليوناني قبل أيام، فيما يتعلق بتفاصيل اللحظات الأخيرة قبل غرق القارب، وقد حمّلوا خفر السواحل اليوناني مسؤولية الكارثة.
وتواجه اليونان سيلاً من الانتقادات بشأن تعاملها مع الكارثة، واتهامات بشأن مسؤولية محتملة عن غرق القارب الذي كان تحت مراقبة خفر سواحلها ساعات عدة قبل الحادثة.
وقد دعت الأمم المتحدة إلى تحقيق معمق للكشف عن ملابسات غرق القارب، وإلى تحرك عاجل لمنع وقوع مزيد من المآسي.