icon
التغطية الحية

الزلزال يصيب حلب في مقتل بعد كل أهوال الحرب

2023.02.09 | 14:46 دمشق

فرق الإنقاذ السورية تبحث بين الركام عن الضحايا بعد زلزال 6 شباط في سوريا وتركيا
فرق الإنقاذ السورية تبحث بين الركام عن الضحايا بعد زلزال 6 شباط في سوريا وتركيا
Associated Press- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

طوال سنوات عدة، تحمل أهالي حلب وزر القصف والقتال عندما تحولت مدينتهم إلى منطقة من مناطق المعارك الشرسة خلال الحرب. إلا أن كل ما جرى لم يجهزهم للدمار والرعب الذي أنزله بهم الزلزال خلال هذا الأسبوع.

فقد أتت هذه الكارثة الطبيعية لتزيد طينة الكثير من الكوارث البشرية بلة، ما ضاعف من مأساة الناس في حلب وسوريا عموماً.

توقف القتال في حلب عام 2016 إلا أن عدداً ضئيلاً فقط من المباني الكثيرة المدمرة قد أعيد بناؤه. كما صار أهالي تلك المدينة يعانون بسبب تراجع الاقتصاد في سوريا، والذي أدى إلى ارتفاع أسعار الأغذية بشكل كبير، ما دفع بالمزيد من أهالي حلب نحو قبضة الفقر، بيد أن صدمة الزلزال كانت كبيرة.

إذ يقول هوفيغ شيخريان بأنه أثناء أسوأ ظروف الحرب في حلب، أي في عام 2014، ترك هو ووالداه بيتهم الذي كان يقع في منطقة على خط الجبهة، بسبب القصف والقنص، فصاروا يتنقلون بين الأحياء الحلبية على مدار سنوات تجنباً للوقوع ضحية للقتال الدائر.

وعن ذلك يقول ذلك الشاب الذي يبلغ من العمر 24 عاماً: "تحول ذلك إلى جزء من حياتنا اليومية الاعتيادية، إذ كنا نترك البيت كلما سمعنا صوتاً، وصرنا نعرف بمن نتصل وماذا علينا أن نفعل.. ولكننا لم ندر ماذا علينا أن نفعل عند وقوع زلزال، ولهذا توترت كثيراً لأننا صرنا على شفير الموت".

أهالي حلب في العراء بعد الزلزال

قبيل شروق فجر يوم الإثنين، ضرب زلزال شدته 7.8 درجات ومركزه على بعد 112 كلم في تركيا، أهالي حلب، فأيقظهم من نومهم ودفع بهم إلى الشوارع تحت أمطار الشتاء القارس. انهارت إثر ذلك العشرات من مباني تلك المدينة، وقتل فيها أكثر من 360 شخصاً وأصيب المئات بجراح. ومايزال العاملون في مجال الإنقاذ يحفرون منذ ثلاثة أيام بين الركام والردم، بحثاً عن القتلى والناجين. بيد أن عموم القتلى في الجنوب التركي والشمال السوري وصل إلى أكثر من 15 ألفاً حتى لحظة كتابة هذه السطور.

المصدر: رويترز

حتى من بقيت أبنيتهم قائمة ما يزالون يخشون العودة إليها، ولهذا أوى كثيرون إلى المدارس، حيث استقبل الدير المسيحي الماروني أكثر من 800 شخص، على رأسهم النساء والأطفال والعجائز الذين غصت بهم الغرف والقاعات في هذا الدير.

وحول ذلك يخبرنا عماد الخال وهو الأمين العام للطوائف المسيحية في حلب، والذي ساعد في تنظيم عملية توزيع الناس على مراكز الإيواء، فيقول: "حتى الآن لم ننم في بيوتنا، وبعض الناس ينامون في سياراتهم".

بالنسبة لكثيرين تحول الزلزال إلى شكل جديد من أشكال الرعب، وإلى صدمة لأهالي حلب لم يعهدوها حتى بعد تعرضهم لكل ما تعرضوا له خلال الحرب.

مأساة الحرب في حلب

كانت الحرب في حلب عبارة عن حصار طويل وقاس، فقد سيطرت فصائل المعارضة حينها على الجزء الشرقي من المدينة، وذلك في عام 2012، أي بعد سنة من اندلاع الحرب. وخلال السنوات التي أتت بعد ذلك، عملت قوات النظام المدعومة من قبل روسيا على السيطرة على المدينة.

سوت غارات طائرات النظام وروسيا أبنية كاملة بالأرض، وعثر على جثث في النهر الذي يشطر المدينة إلى شطرين، وتعرضت الجهة الغربية من المدينة حيث يسيطر النظام لقصف بالهاون والصواريخ من قبل مقاتلي المعارضة.

أدت الحملة العسكرية الأخيرة على حلب إلى قيام قتال في الشوارع داخل المدينة امتد لأشهر، وانتهت تلك المعركة الطاحنة في كانون الأول من عام 2016 بسيطرة النظام على المدينة، ما أدى إلى إخلاء حلب من مقاتلي المعارضة وتهجير أحيائها الشرقية، وتقدر منظمات نشطت وقتها في حلب عدد القتلى بنحو 31 ألف شخص على مدار أربع سنوات من القتال، إلى جانب تهجير أهالي القسم الشرقي من حلب كلهم تقريباً.

حلب بعيدة عن التعافي من الحرب

بيد أن حلب لم تتعافَ، لأن كل عمليات إعادة الإعمار التي جرت فيها قامت بفضل أفراد، وما يزال تعداد سكانها الحالي أقل بكثير من تعداد سكانها قبل عام 2011 والذي وصل إلى 4.5 ملايين نسمة. كما أن معظم أجزاء المدينة الشرقية ما تزال مهدمة وخاوية على عروشها.

تهدمت مباني حلب خلال الحرب أو بنيت بصورة عشوائية خلال عملية الاقتتال ولهذا تعرضت للانهيار، ومن تلك الانهيارات انهيار مبنى في 22 من كانون الثاني من هذا العام خلف 16 قتيلاً، وانهيار لمبنى آخر وقع في أيلول الماضي وخلف 11 قتيلاً بينهم ثلاثة أطفال.

كانت حلب في السابق المدينة السورية الصناعية الأولى بحسب ما ذكره أرميناك توكماجيان وهو زميل غير مقيم لدى معهد كارنيجي للشرق الأوسط والذي تعود أصوله لتلك المدينة، حيث يصفها اليوم بأنها أصبحت مهمشة اقتصادياً وبحاجة ماسة للبنية التحتية الأساسية بالنسبة للغاز والكهرباء، أما أهالي حلب الذين حلموا بتحسن الأوضاع بعد توقف القتال، فلم يشهدوا ذلك على الإطلاق بما أن الظروف صارت أسوأ بكثير.

هل يستحق الحلبيون هذا المصير؟

واليوم يتعرض أهالي حلب لصدمة جسدية ونفسية بسبب الزلزال، ولهذا يقول توكماجيان: "لقد جعلهم الزلزال يتساءلون: هل يستحقون هذا المصير فعلاً أم لا؟ أعتقد بأن الصدمة كبيرة ولا بد أن يمر بعض الوقت قبل أن يتقبل الناس تلك الحقيقة المرة بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الحرب".

وفر فاروق العبد الله من مزرعته الواقعة جنوبي مدينة حلب خلال الحرب، ومنذ ذلك الحين وهو يقيم مع زوجتيه وأولاده البالغ عددهم 11 وأمه التي تبلغ من العمر سبعين عاماً في مدينة جنديرس التي تسيطر عليها المعارضة وتتبع لمحافظة حلب.

انهار المبنى الذي تقيم فيه عائلة العبد الله هناك بشكل كامل بسبب الزلزال، غير أن جميع أفراد العائلة تمكنوا من الهرب.

ولهذا يعلق فاروق عن الزلزال والدمار الذي خلفه في كل مكان وما أعقب هذا الزلزال من كوارث، وهو يراقب فرق الإنقاذ وهي تنتشل الجثث من تحت الردم، فيقول: "إن الزلزال أشد وطأة بكثير مما جرى أثناء الحرب".

على الرغم من إحساس المرء بأن الحرب عبثية ولا معنى لها، إلا أن من يعانون أثناءها لديهم قضية يضحون من أجلها ويستخلصون بعض العبر والمعاني من الموت والدمار الذي تسببه، فالدمار الذي سببته الحرب في حلب على الأقل: "دليل على أننا لم نهزم ببساطة" بحسب رأي وسام زرقا، وهو معارض من حلب عاش فترة الحصار ويقيم اليوم في العاصمة التركية أنقرة، ويضيف: "بيد أن الدمار الذي تخلفه الكوارث الطبيعية كله ألم ووجع ولا يخلف سوى الألم".

المصدر: Associated Press