قال مدير نقل وتوزيع الكهرباء هيسم الميلع أخيراً في حديث له على إذاعة المدينة، إن "الخطوط المعفاة من التقنين والمدن الصناعية والخطوط التي أعفيت من التقنين تشكل 10% من التوليد". لكن ليس هذا هو المهم في حديث المدير كون السوريين ليس لديهم أي ثقة بالأرقام الحكومية.
حديث الميلع يشير بصراحة إلى 3 شرائح من الخطوط المعفاة من التقنين، الأولى مع (الـ) التعريف "المعفاة" تشمل بالتأكيد المشافي والمخابز (ليس جميعها) والمؤسسات الأمنية والعسكرية الحساسة والقصور الرئاسية والوزارية وقصور المحافظين وغيرها، أما الشريحة الأخيرة وهي الأهم، فتشمل ما أعفته وزارة الكهرباء التابعة للنظام أخيراً من التقنين عبر بيع الخطوط خارج المدن الصناعية.
تناقض حكومي
حاولت الوزارة مراراً إخفاء بيعها للخطوط المعفاة للمنازل والمتنفذين أو ما تسمية بـ"الخطوط الذهبية"، ففي تصريح للمدير العام لمؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء، فواز الضاهر نهاية العام الماضي، أكد أن الخط المعفى لا يمكن أن يشمل الاشتراكات المنزلية أو المكاتب، مشيراً إلى أن هذا النوع من الخطوط وجد "لدفع الإنتاج في القطاع الصناعي في المقام الأول، إضافة إلى تأمين بعض الخدمات الحيوية مثل المستشفيات والجامعات" على حد تعبيره علماً أن الجامعات والمدارس غير معفاة من التقنين.
وبعد أقل من عام، كشف زيف تصريحات الضاهر بقرار صدر عن وزارة الكهرباء في حزيران 2022، حيث أعلنت الوزارة زيادة تعرفة بيع الكيلو واط ساعي، للمشتركين الرئيسيين بالخطوط المعفاة من التقنين، كلياً أو جزئياً، من القطاعين العام والخاص، واللافت بالقرار أن الوزارة حددت تعرفة 800 ليرة سورية بدلاً من 300 ليرة قبل القرار، للمشتركين بمراكز تحويل خاصة معفاة من التقنين لأغراض الاستهلاك المنزلي، أي أن شريحة المنازل يمكنها الحصول على خط معفى، لكنها قد تكون متاحة لمنازل المتنفذين في الدولة.
أيضاً وبحسب القرار، فإن المشتركين للأغراض الصناعية والحرفية والتجارية، سيتحتم عليهم دفع 450 ليرة، عن استهلاك كل كيلو واط ساعي، كما بلغ سعر الكيلو واط ساعي 800 ليرة لمشتركي الأغراض السياحية، وبذلك تكون المكاتب بأنواعها مشمولة بإمكانية الحصول على خط معفى من التقنين، ضمن الشريحة التجارية.
آلية الحصول على الخطوط
يقول مصدر في وزارة الكهرباء إن كلفة كل كيلو متر للخطوط المعفاة من التقنين هي 300 مليون ليرة سورية وقد تزيد قريباً لارتفاع التكاليف، وهذه الكلفة تتضمن مركز تحويل خاص ضمن محطة التحويل الرئيسية في المنطقة ومستلزمات أخرى، ولذا كلما بعدت المسافة عن محطة التحويل التي تتيح تمديد خطوط معفاة، تزيد الكلفة وكلما قربت انخفضت.
هناك من وجد بهذه الخطوط رغم ارتفاع كلفتها، تجارة مربحة، حيث يقومون ببيع الكهرباء للمنازل أو المنشآت والمكاتب المجاورة، بأسعار تختلف تبعاً لصاحب الخط، وفقاً لأحد مهندسي الكهرباء بريف دمشق، مفضلاً عدم ذكر اسمه، حيث قال إن شراء منزل أو منشأة لخط معفى من التقنين وهو قريب من محطة التحويل، قد يكون تجارة مربحة، بينما قد تستفيد منطقة كاملة بهذا الشكل عبر اشتراك مجموعة من المنازل باسم مشترك واحد متنفذ وتناقل الخطوط بين بعضهم بعضاً.
يقول المهندس إن اكتشاف الأمر سهل جداً، رغم إخفاء الخطوط تحت الأرض بين المنازل، إلا أن المستفيدين من التسهيل والتستر عن هذه المخالفات كثر ومعظم أصحاب هذه الخطوط لهم ارتباطات تحميهم، وهذا ما يفسر ملاحظة بعضهم لوجود مناطق لا تقطع فيها الكهرباء نهائياً أو تقطع فيها لساعات قليلة فقط، لأن الخطوط المعفاة من التقنين فيها نوعان، معفى تماماً ومعفى بشكل جزئي أي بتقنين بسيط، وهذه الأخيرة أرخص من الأولى والمتاجرة غالباً تتم بها.
اعتراف حكومي
الميلع بحديثه الأخير مع إذاعة المدينة، أكد وجود تلك الحيل، قائلاً إن الوزارة تنظم جولات للكشف عن المتاجرة بكهرباء الخطوط المعفاة، والمخالفة هي احتساب استهلاك المشترك المعفى من التقنين منذ تاريخ تركيب الخط حتى تاريخ الضبط ووفق الشريحة الأعلى للاستهلاك، وفي حال ضبط مرة أخرى يلغى الاشتراك (لم يذكر عقوبة سجن أو ما شابه)، مشيراً إلى أن بيع خطوط من أصحاب التراخيص المعفيين من التقنين للمنازل القريبة موجود وأكثره في ريف دمشق.
وعدا عن متاجرة أصحاب الخطوط نفسها أو الاحتيال على القانون بالمشاركة في شراء خط واحد، قام بعضهم بالاتفاق مع المعنيين بالمشافي أو المخابز القريبة للحصول على خطوط معفاة مقبل مبالغ مالية للمسؤول عن التستر على ذلك وتسهيله، إضافةً إلى المنازل القريبة من المولات وغيرها من منشآت حاصلة على خطوط معفاة سواء بالقطاع الخاص أو العام.
خطوط سرية من دون مقابل رسمي
في نيسان الماضي، اتهم عضو مجلس الشعب سهيل سلام خضر، وزارة الكهرباء بالفساد وتقديم خطوط معفاة من التقنين لبعض الجهات مقابل مبالغ مالية تدفع بشكل غير قانوني، لافتاً إلى وجود خطوط سرية معفاة من التقنين وغير معلنة لمنازل بعض المسؤولين ومنازل بعض المتنفذين.
لم يقف خضر هنا، بل قال إن لجنة قد شكلت لغرض أن تُعفي من تشاء وترفض من تشاء مقابل من يدفع أكثر، واتهم بعض المنشآت السياحية المعفاة من التقنين في طرطوس بإعادة بيع الكهرباء إلى المواطنين، واعتبر خضر أن ما يحدث في قطاع الكهرباء، "سرقة للمال العام تحت غطاء دعم القطاع السياحي ومسميات أخرى".
حالياً، تختلف تسعيرة الحصول على خط معفى من التقنين مصدره خط معفى آخر تبعاً لنوع الخط ومصدره، ولا يمكن حصر المبلغ. حاول الموقع الوصول إلى رقم تقريبي لكن الأسعار اختلفت تبعاً للمحافظة وقرب المصدر الذي سيبيع الكهرباء وإن كان هو المصدر الأساسي أو مشترياً من المصدر الرئيسي، إضافة إلى رشوة عمال الكهرباء، ونوع الخط إن كان معفى كاملاً أو جزئياً، وقدرة تحمله للإنارة فقط والشحن، أم لتشغيل مستلزمات المنزل.
وتحتسب الكلفة بدايةً من سعر الخدمة بدايةً، ثم الفواتير الشهرية التي يتقاضاها صاحب الخط وهي محسوبة على كلفة 800 ليرة للكيلو واط الساعي، إضافةً إلى سعر الكابل والتوصيل التي يتكبدها المنتفع الأخير، وبالنهاية الكلفة بملايين الليرات أي أنها متاحة لمن يملكون المال فقط.