تدخل الثورة السورية عامها الثالث عشر تاركة وراءها إرثاً ثقيلا من المآسي الإنسانية، وكما هائلا من الخراب والدمار، ما كان ليحدث لولا لجوء نظام الأسد منذ البداية إلى خيار الحسم العسكري، فتحوّل الحراك الشعبي السلمي إلى حرب مدمرة، حصدت أرواح مئات الآلاف من المدنيين، وتحول أكثر من نصف الشعب السوري إلى نازحين ولاجئين، إضافة إلى مآسي القتل والدمار والاعتقال، التي ما كانت لتكون لولا التدخل العسكري الإيراني والروسي.
تعيش سوريا اليوم تحت رايات متعددة مختلفة، متعارضة سياسيا وإيديولوجيا، لكنها متشابهة اقتصاديا ومعيشيا، مع أفضلية نسبية بسيطة للمناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام.
ومع تعثر الحلول السياسية، وضغوط الظروف المعيشية، بات لكل منطقة أولويات مختلفة في إدارة شؤونها اليومية. أما بالنسبة لنظام الأسد، فإن استراتيجيته تهدف في المقام الأول إلى البحث عن سبل البقاء عبر تأمين الحد الأدنى من الخدمات للسكان لضمان ولائهم، وبناء تحالفاته وعلاقاته الخارجية لتحقيق الهدف ذاته.
وقد تفاقمت معاناة السوريين، وزادت قضيتهم تعقيدا، عندما تمكنت التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم داعش الإرهابي، وتنظيم PKK/YPG الانفصالي، وغيرهما من التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، من السيطرة على مساحة واسعة من البلاد، حيث في خضم الصراع، غضت القوى الدولية الطرف عن تسرب التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، مثل "القاعدة" و"داعش" وأخواتها، مما أضعف البعد الوطني للثورة السورية، لتصبح معادلة الصراع بين نظام حكم علماني وبين خلافة إسلامية ذات طابع إرهابي.
لكن النظام السوري وداعميه كانوا الأكثر قتلا وفتكا، فقد قام الروس، بعد تدخُّلهم العسكري عام 2015، بقصف المدنيين واستهدافهم في المخيمات والمدارس والمشافي والمساجد ودور العبادة، وكذلك فعل الإيرانيون -ولا يزالون- بواسطة ميليشياتهم الطائفية التي جلبوها من أقطار شتى، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني، ليرتكب كل طرف من هؤلاء جرائمه بحق المدنيين السوريين، دون رادع أو رقيب.
** الرصاص في مواجهة المظاهرات السلمية
ارتكب النظام وحلفاؤه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، تعددت صورها، من استخدام للسلاح الكيماوي واتباع سياسة التجويع، والتهجير القسري والحصار والاعتقال التعسفي، والتعذيب، وصولا إلى القتل الممنهج والمتعمد لمئات الآلاف من المدنيين. كل ذلك موثق في تقارير الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية لحقوق الانسان، أشهرها ما سمي تقرير قيصر، الذي دفع الإدارة الأميركية لإقرار قانون عقوبات بحق النظام وداعميه، سمي بالاسم نفسه، "قانون قيصر".
يقول رئيس اللجنة المستقلة من أجل العدالة الدولية والمحاسبة، ستيفن راب، إن منظمته تملك أكثر من 900 ألف وثيقة حكومية هُربت، فيها أدلة تفضح ممارسات نظام الأسد والانتهاكات التي ارتكبها خلال السنوات العشر الماضية.
والأدلة الموثقة ضد الأسد وأعوانه “بحسب راب” أفضل وأقوى مما وجد من أدلة ضد ميلوسوفيتش في يوغوسلافيا، أو ضد النازيين في نورمبرج، لأن النازيين لم يلتقطوا صورا فردية لكل من ضحاياهم مع معلومات تعريفية عنهم.
** أميركا والاتحاد الأوروبي يدعمون الثورة السورية بالبيانات
أصدرت سفارة الولايات المتحدة في سوريا بيانا بمناسبة ذكرى الثورة السورية قالت فيه: "نتذكر أولئك الذين فقدوا حياتهم سعياً لتحقيق الكرامة والعدالة والسلام، ونؤكد من جديد أن المساءلة والعدالة واحترام حقوق الإنسان ضرورية لضمان إنهاء الصراع بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254".
كما أصدر الاتحاد الأوربي بيانا مشابها دعا فيه إلى حلّ سياسي مستدام وشامل لسوريا ينسجم وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، باعتباره السبيل الوحيد القابل للتطبيق للمضي قدماً.
** تضارب مصالح الضامنين يودي بفرص الحل السياسي
يوجد على أرض سوريا اليوم عدد ضخم من القوات والميليشيات الأجنبية، منها 12 قاعدة عسكرية و113 نقطة مراقبة عسكرية تركية فيها نحو 7000 عسكري، وتملك روسيا 4 قواعد عسكرية و 76 نقطة مراقبة عسكرية فيها نحو 4000 عسكري روسي، بينما تملك إيران نحو 500 قاعدة ونقطة مراقبة عسكرية ويتبع لها مجموعة من الميليشيات الشيعية تحوي على 100 ألف مرتزق.
وقد تشكلت المعادلة السياسية بناء على المعطيات الميدانية السالفة الذكر، فأصبح اللاعبون الرئيسون في الحرب السورية أربعة: إيران وروسيا إلى جانب النظام، وهما متمسكتان ببقائه كما هو، وبعدم تقديم أي تنازلات، ثم تركيا المنخرطة بالصراع وهي الطرف الضامن للمعارضة، ثم أوروبا وأميركا اللتان تعوقان إعادة تأهيل النظام، من دون أن تكون لديهما استراتيجية لمستقبل الصراع في سوريا.
من البديهي أن تسعى هذه الدول إلى ضمان مصالحها أولا، ولو كانت على حساب السوريين. ومن البديهي أيضا أن تذهب هذه الدول لجهة إضعاف السوريين، معارضة ونظاماً، حتى تتمكن من فرض إملاءاتها عليهم.
لكن، والحق يقال، في الوقت الذي ما زالت فيه كل من روسيا وإيران تحتفظان بقدر من الاحترام والتعاطي الرسمي مع النظام، فإن طرف المعارضة لم يحظ بمثل هذه المعاملة. فقد تعرضت مؤسسات المعارضة، الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة، إلى عمليات هندسة سياسية، فصلتها عن حاضنتها الشعبية الثورية، وأصبحت بموجبها مجرد هيئات صورية مسلوبة الإرادة، تعمل وفق أجندة الضامن وإملاءاته، وأصبح العاملون فيها يعينون تعيينا، باستشارة المبعوث الدولي وموافقة الروس والنظام!!.
** خلاصة
يحيي السوريون، ذكرى مرور 13 عاماً على اندلاع ثورتهم ضد نظام الأسد في آذار مارس 2011. حيث تشهد عدة مناطق في سوريا، ومن بينها السويداء وإدلب وريف حلب، مظاهرات حاشدة، مطالبة بإسقاط النظام ومحاسبته على الانتهاكات التي ارتكبها بحق السوريين على مدى أكثر من عقد من الزمن، أمام تخاذل بل تواطؤ دولي يحول دون إزاحة نظام الأسد.
آن للسوريين بعد كل هذه التجارب الأليمة أن يدركوا أهمية وضرورة الاعتماد على أنفسهم، وأخذ زمام قضيتهم بيدهم، لأن مرور المزيد من الوقت بعيدا عن التوافق السياسي، يعني المزيد من التمزق الوطني، والابتعاد أكثر عن فرص الحل، حيث يوما بعد يوم تزداد بؤر الفوضى وعصابات المافيا التي نسجت لنفسها شبكات مصالح مع القوى المحلية والأطراف الخارجية، ما يجعل من عملية خلعها لاحقا أكثر صعوبة وأشد إيلاما.