عن الدبلوماسية التركية في الشرق الأوسط

2024.04.22 | 06:19 دمشق

آخر تحديث: 22.04.2024 | 06:19 دمشق

66
+A
حجم الخط
-A

مع انتهاء دورة التصعيد الأخيرة في الصراع الإسرائيلي الإيراني، يبرز عاملان رئيسان أسهما في منع انزلاق هذا التصعيد إلى حرب مباشرة بين البلدين، أولهما التكاليف الباهظة المترتبة على الحرب، والتي أسهمت بشكل أساسي في تشكيل الفعل ورد الفعل العسكرية لدى الجانبين، وثانيهما دبلوماسية القنوات الخلفية التي لعبت دوراً حيوياً في تشجيع الإيرانيين والإسرائيليين على تجنب الإفراط في الفعل ورد الفعل.

وعند الحديث عن دبلوماسية القنوات الخلفية، يظهر خمسة مُستفيدين من هذه الدبلوماسية: إيران وإسرائيل كون هذه الدبلوماسية ساعدتهما في إدارة التصعيد الأخير بتكاليف أقل، والولايات المتحدة التي تركز اهتماماتها على منع نشوب حرب تجلب كثيرا من المخاطر على وجودها في الشرق الأوسط، والمنطقة التي تجنّبت السيناريوهات السيئة التي لا يُمكن تصور ارتداداتها عليها، وأخيراً تركيا التي برزت كوسيط رئيسي في التواصل بين الإيرانيين والأميركيين ومن خلفهم الإسرائيليين لمنع انزلاق التصعيد إلى حرب.

بالنسبة لأنقرة فقد منحها التصعيد فرصة لاستعراض أهمية دبلوماسيتها بالنسبة لأطراف الصراع والمنطقة كوسيلة قادرة في التعامل مع أكثر اللحظات خطورة في الشرق الأوسط منذ سنوات طويلة...

وبالنسبة لأنقرة، فقد منحها التصعيد فرصة لاستعراض أهمية دبلوماسيتها بالنسبة لأطراف الصراع والمنطقة كوسيلة قادرة في التعامل مع أكثر اللحظات خطورة في الشرق الأوسط منذ سنوات طويلة.

حقيقة أن تركيا تُحافظ على علاقات مستقرة مع إيران ونجحت مؤخراً في إعادة إصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب، ساعدتها إلى حد كبير في لعب دور أساسي في دبلوماسية القنوات الخلفية. لطالما كانت العلاقات المستقرة بين تركيا وإيران عاملاً مزعجاً لواشنطن.

لكنّ هذه العلاقات أظهرت اليوم أنها تعود بالفائدة على الولايات المتحدة طالما أنها تُساعد في تعزيز عوامل الاستقرار الإقليمي وتخلق قناة تواصل فعالة مع إيران، وهذا النجاح للدبلوماسية التركية لا تقتصر أهميته على إدارة التصعيد بل يُمهد الطريق لتركيا للعب دور الوسيط الرئيسي في إدارة الصراع الإسرائيلي الإيراني في المستقبل وأيضاً في المساعدة بإدارة العلاقات الإيرانية الأميركية.

ومثل هذا المكسب مُهم لأنقرة لتعزيز دورها الجديد في الشرق الأوسط كوسيط للاستقرار، في الوقت الذي بدا فيه من الصعب على الدول الخليجية لعب دور فعال في إدارة التصعيد الإسرائيلي الإيراني بالنظر إلى الحساسية التي تُبديها إيران إزاء الوجود العسكري الأميركي في الخليج وعلاقات بعض دول الخليج مع إسرائيل، فإن تركيا أصبحت وسيطاً أكثر قبولاً.

ما يزال من غير الممكن في الوقت الراهن تقييم التداعيات المحتملة للتصعيد الإسرائيلي الإيراني الأخير على مسار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكنّ فيما يتعلق بدبلوماسية القنوات الخلفية ودور تركيا فيها، فإن نجاح أنقرة في الحد من مخاطر انفجار الصراع الإسرائيلي الإيراني يُعزز أهمية دورها كوسيط رئيسي في المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس لإنهاء الحرب.

ويُمكن النظر إلى زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى تركيا ولقائه بالرئيس رجب طيب أردوغان بالتوازي مع زيارة مماثلة لوزير الخارجية المصري سامح شكري على أنها تندرج في إطار محاولة تركيا البحث عن دور أكبر لها في مجال الوساطة بين إسرائيل وحماس.

ويسعى أردوغان لتعزيز مكانة تركيا لدى حماس بما يُساعدها في التحول إلى وسيط رئيسي في مفاوضات إنهاء الحرب وضمان دور أكثر فعالية في القضية الفلسطينية، في الوقت الذي أعلنت فيه قطر أنها تُعيد تقييم دورها كوسيط بين إسرائيل وحماس بسبب حملة الضغط المنظمة التي تتعرض لها في بعض الدوائر الأميركية وبسبب تشويه نتنياهو وحلفائه المتطرفين لدورها، فإن مزيداً من الانفتاح التركي على حركة حماس قد يُساعد أنقرة على القيام بدور الوسيط الرئيسي.

الانفتاح التركي المتزايد على حماس لا يُزعج الولايات المتحدة بالضرورة طالما أنه لا يتجاوز حدود الموقف السياسي ويخلق وسائل تأثير أخرى على حماس للتوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب..

والانفتاح التركي المتزايد على حماس لا يُزعج الولايات المتحدة بالضرورة طالما أنه لا يتجاوز حدود الموقف السياسي ويخلق وسائل تأثير أخرى على حماس للتوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب، وفي المحصلة، فإن الموقف التركي من حركة حماس يخدم الاتجاهات الأساسية للسياسة الثابتة للسياسة التركية في الصراع.

رغم ذلك، فإن فرص تركيا للعب دور أكثر فعالية في مجال الوساطة يصطدم بمدى استعداد إسرائيل لتقبل مثل هذا الدور.. من المؤكد أن لقاء أردوغان بهنية، وهو ثاني لقاء يعقده مع زعيم إقليمي بعد المرشد الإيراني منذ اندلاع الحرب، فضلاً عن تقييد أنقرة مؤخراً حركة التجارة مع إسرائيل، تمنحان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سبباً آخر لحرمان أنقرة من لعب هذا الدور. مع ذلك، يُراهن أردوغان على حاجة الولايات المتحدة إلى النفوذ التركي على حركة حماس من أجل إقناعها بمزايا التوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب على غزة.

إن العلاقة التركية مع حماس وعلى الرغم من أنها تتعارض مع الأهداف الأميركية لتشديد الخناق على الحركة، إلآّ أنها من منظور واشنطن تعود بفوائد طالما أنها تخلق وسائل تأثير جديدة على الحركة من طرف يبقى حليفاً لواشنطن في المنطقة وتُقلل من اعتمادها السياسي على إيران.

عادة ما تخلق الأزمات والصراعات فُرصاً لأطراف أخرى. وفي حالة تركيا، فإن التصعيد الإسرائيلي الإيراني الأخير والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خلقا فرصة لها لعرض خدماتها الدبلوماسية على غرار الحرب الروسية على أوكرانيا.. وهذه الخدمات مُصممة أيضاً للحد من ارتدادات مثل هذه الصراعات على تركيا وعلاقاتها مع مختلف الجهات الفاعلة في الصراعات.